ثم لم يزل ينزل جواريه واحدة بعد اخرى، وأنظر إلى كفها ومعصمها وأقول:
ليست هي! حتى قال: والله ما بقي غير زوجتي واختي، والله لا نزلنّهما إليك.
فعجبت من كرمه وسعة صدره، فقلت: جعلت فداءك، أبدأ بالاخت قبل الزوجة فعساها هي.
فبرزت، فلما رأيت كفّها ومعصمها قلت: هي هذه! فأمر غلمانه فمضوا إلى عشرة مشايخ من جلة جيرانه، فأقبلوا بهم؛ وأمر ببدرتين فيهما عشرون ألف درهم، فقال للمشايخ: هذه اختي فلانة، أشهدكم اني قد زوجتها من سيدي إبراهيم بن المهدي، وامهرتها عنه عشرين ألفا! فرضيت النكاح، فدفع إليها بالبدرة، وفرق الاخرى على المشايخ، وقال لهم: انصرفوا. ثم قال: يا سيدي امهد لك بعض البيوت فتنام مع اهلك! فاحتشمني «١» ما رأيت من كرمه، فقلت: بل احضر عمارية وأحملها إلى منزلي. قال: ما شئت. فأحضرت عمارية وحملتها إلى منزلي؛ فو الله يا أمير المؤمنين، لقد أتبعها من الجهاز ما ضاق عنه بعض بيوتنا؛ فأولدتها هذا القائم على رأس أمير المؤمنين.
فعجب المأمون من كرم الرجل، وأطلق الطفيليّ وأجازه، وألحق الرجل في أهل خاصته.
[طفيلي وقوم يتغدون]
ومرّ طفيليّ بقوم يتغدّون، فقال: سلام عليكم معشر اللئام! فقالوا: لا والله، بل كرام. فثنى رجله وجلس، وقال: اللهم اجعلهم من الصادقين واجعلني من الكاذبين!
[الفضل بن يحيى وطفيلي]
ودخل طفيليّ من اهل المدينة على الفضل بن يحيى وبيده تفاحة، فألقاها إليه وقال:
حيّاك الله يا مدني، أتأكل التحيات؟ قال: أي والله، والزاكيات الطيبات كنت آكلها!