قال مالك بن دينار: غدوت للجمعة، فجلست قريبا من المنبر، فصعد الحجاج ثم قال:
امرؤ حاسب نفسه؛ امرؤ راقب ربه؛ امرؤ زوّر «١» عمله امرؤ فكر فيما يقرؤه غدا في صحيفته ويراه في ميزانه: امرؤ كان عند همه آمرا، وعند هواه زاجرا؛ امرؤ أخذ بعنان قلبه كما يأخذ الرجل بخطام «٢» جمله، فإن قاده إلى حق تبعه، وإن قاده إلى معصية الله كفّه. إننا والله ما خلقنا للفناء، وإنما خلقنا للبقاء، وإنما ننتقل من دار إلى دار.
[خطبة الحجاج بالبصرة]
اتقوا الله ما استطعتم. فهذه لله وفيها مثوبة. ثم قال:«واسمعوا وأطيعوا» . فهذه لعبد الله وخليفة الله وحبيب الله عبد الملك بن مروان، والله لو أمرت الناس أن يأخذوا في باب واحد وأخذوا في باب غيره، لكانت دماؤهم لي حلالا من الله، ولو قتل ربيعة ومضر لكان لي حلالا. عذيري «٣» من هذه الحمراء «٤» ، يرمي أحدهم بالحجر إلى السماء ويقول: يكون إلى أن يقع هذا خير. والله لأجعلنّهم كأمس الدابر؛ عذيري من عبد هذيل، إنه زعم أنه آمن عند الله، يقرأ القرآن كأنه رجز الأعراب؛ والله لو أدركته لقتلته.
[خطبة للحجاج بالبصرة]
حمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله كفانا مئونة الدنيا وأمرنا بطلب الآخرة فليته كفانا مئونة الآخرة وأمرنا بطلب الدنيا. مالي أرى علماءكم يذهبون، وجهّالكم لا يتعلمون، وشراركم لا يتوبون؟ مالي أراكم تحرصون على ما كفيتم، وتضيّعون ما به