ذكر أعرابي قوما عبادا، فقال: تركوا والله النعيم ليتنعموا؛ لهم عبرات متدافعة، وزفرات متتابعة، لا تراهم إلا في وجه وجيه عند الله.
وذكر أعرابيّ قوما فقال: أدّبتهم الحكمة وأحكمتهم التجارب؛ فلم تغرّهم السلامة المنطوية على الهلكة، ورحل عنهم التسويف الذي به قطع الناس مسافة آجالهم: فدلّت ألسنتهم بالوعد، وانبسطت أيديهم بالوجد «١» فأحسنوا المقال، وشفعوه بالفعال.
وسئل أعرابي عن قوم فقال: كانوا إذا اصطفوا سفرت «٢» بينهم السهام؛ وإذا تصافحوا بالسيوف فغرت المنايا أفواهها؛ فرب يوم عارم «٣» قد أحسنوا أدبه، وحرب عبوس قد ضاحكتها أسنتهم؛ إنما قومي البحر. ما ألقمته التقم.
وذكر أعرابي قوما فقال: ما رأيت أسرع [منهم] إلى داع بليل على فرس حسيب «٤» وجمل نجيب. ثم لا ينتظر الأول السابق الآخر اللاحن.
وذكر أعرابي قوما فقال: جعلوا أموالهم مناديل أعراضهم. فالخير بهم زائد، والمعروف لهم شاهد؛ فيعطونها بطيبة أنفسهم إذا طلبت إليهم. ويباشرون المعروف بإشراق الوجوه إذا بغي لديهم.
وذكر أعرابي قوما فقال: والله ما أنالوا شيئا بأطراف أناملهم إلا وطئناه بأخماص أقدامنا؛ وإن أقصى هممهم لأدنى فعالنا.
وذكر أعرابي أميرا فقال: إذا ولى يطابق بين جفونه، وأرسل العيون على عيونه؛ فهو غائب عنهم شاهد معهم، فالمحسن راج والمسيء خائف.