المسوّدة وأنا حديث السنّ كثير العيال متفرّق المال، فجعلت لا أنزل قبيلة من قبائل العرب إلا شهرت فيها. فلما رأيت أمري لا يكتتم، أتيت سليمان بن علي فاستأذنت عليه قرب المغرب، فأذن لي وهو لا يعرفني؛ فلما صرت إليه قلت: أصلحك الله! لفظتني البلاد إليك، ودلني فضلك عليك؛ فإما قبلتني غانما، وإما رددتني سالما.
قال: ومن أنت؟ فانتسبت له؛ فعرفني. وقال: مرحبا، اقعد فتكلم غانما سالما.
قلت: أصلحك الله! إن الحرم التي أنت أقرب الناس إليهن معنا، وأولى الناس بهن بعدنا، قد خفن بخوفنا، ومن خاف خيف عليه. قال: فاعتمد سليمان على يديه وسالت دموعه على خديه، ثم قال: يا ابن أخي، يحقن الله دمك، ويستر حرمك، ويسلم مالك إن شاء الله؛ ولو أمكنني ذلك في جميع قومك لفعلت. فلم أزل في جوار سليمان آمنا.
وكتب سليمان إلى أبي العباس أمير المؤمنين: أما بعد. يا أمير المؤمنين، فإنا إنما حاربنا بني أمية على عقوقهم ولم نحاربهم على أرحامهم، وقد دفت إليّ منهم دافّة «١» لم يشهروا سلاحا، ولم يكثروا جمعا، وقد أحسن الله إليك فأحسن. فإن رأى أمير المؤمنين أن يكتب لهم أمانا ويأمر بإنفاذه إليّ فليفعل.
فكتب لهم كتابا منشورا وأنفذه إلى سليمان بن علي، في كل من لجأ إليه من بني أمية، فكان يسميه أبو مسلم: كهف الأبّاق «٢» .
[الرشيد وعبد الملك بن صالح:]
دخل عبد الملك بن صالح يوما على الرشيد، فلم يلبث في مجلسه أن التفت الرشيد فقال متمثّلا: