للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هاشمي وقينتان ومضحك]

: حدث أبو عبد الله بن عبد البر بمصر قال: حدثني إسحاق بن إبراهيم عن الهيثم بن عدي قال: كان بالمدينة رجل من بني هاشم، وكان له قينتان، يقال لإحداهما رشا، وللأخرى جؤذر؛ وكان يحب الغناء، وكان بالمدينة مضحك لا يكاد يغيب عن مجلس أحد؛ فأرسل الهاشمي إليه ذات يوم ليضحك به، فلما أتاه قال: ما الفائدة فيك وفي لذتك ولا لذة لي؟ قال له: وما لذتك؟ قال: تحضر لي نبيذا، فإنه لا يطيب لي عيش إلا به. فأمر الهاشمي بإحضار نبيذ، وأمر أن يطرح فيه سكّر العشر، فلما شربه المضحك تحرك عليه بطنه؛ وتناوم الهاشمي وغمز جواريه عليه، فلما ضاق عليه الأمر واضطر إلى التبرّز قال في نفسه: ما أظن هاتين المغنيتين إلا يمانيتين. وأهل اليمن يسمون الكنف المراحيض فقال لهما: يا حبيبتي، أين المرحاض؟ قالت: إحداهما لصاحبتها: ما يقول: قالت يقول: غنياني:

رحضت فؤادي فخلّيتني ... أهيم من الحبّ في كلّ واد «١»

فاندفعتا تغنيانه؛ فقال في نفسه: ما أراهما فهمتا عني، أظنهما مكيّتين وأهل مكة يسمونها المخارج. قال: يا حبيبتي، أين المخرج؟ قالت إحداهما للأخرى: ما يقول؟

قالت: يقول غنياني:

خرجت بها من بطن مكّة بعد ما ... أصات المنادي للصلاة فأعلما «٢»

فاندفعتا تغنيانه؛ فقال في نفسه: لم يفهما والله عني، أظنهما شاميتين، وأهل الشام يسمونها المذاهب؛ فقال لهما: يا حبيبتي، أين المذهب؟ قالت إحداهما لصاحبتها: ما يقول؟ قالت: يقول: غنياني:

ذهبت من الهجران في غير مذهب ... ولم يك حقا كلّ هذا التّجنّب

فغنتاه الصوت؛ فقال في نفسه: لم يفهما عني، وما أظنهما إلا مدنيتين وأهل المدينة