ودعا برطل، ودخل شيخ من جلة الفقهاء فمدّ يده إليه، فقال: واللَّه يا امير المؤمنين ما شربتها ناشئا، فلا تسقنيها شيخا. فردّ يده إلى عمرو بن مسعدة، فأخذها منه وقال: يا امير المؤمنين، [اللَّه! اللَّه!] فإني عاهدت اللَّه في الكعبة ان لا أشربها أبدا! ففكر طويلا والكأس في يد عمرو بن مسعدة. فقال:
ردّا عليّ الكأس إنكما ... لا تعلمان الكأس ما تجدي
لو ذقتما ما ذقت ما امتزجت ... إلا بدمعكما من الوجد
خوّفتماني اللَّه ربّكما ... وكخيفتيه رجاؤه عندي
إن كنتما لا تشربان معي ... خوف العقاب شربتها وحدي
[المأمون وابن أكثم وابن طاهر]
شرب المأمون ويحيى بن أكثم وعبد اللَّه بن، فتغامز المأمون وعبد اللَّه على سكر ابن يحيى، فغمز الساقي، فأسكره، وكان بين أيديهم رزم «١» من ورد ورياحين، فأمر المأمون فشق له لحد في الورد والرياحين، وصيروه فيه، وعمل بيتين في شعر ودعا قينة، فجلست عند رأسه وحرّكت العود وغنت:
ناديته وهو حيّ لا حراك به ... مكفّن في ثياب من رياحين
فقلت قم، قال رجلي لا تطاوعني ... فقلت خذ، قال كفي لا تواتيني
فانتبه يحيى لرنة العود، وقال مجيبا لها:
يا سيّدي وأمير الناس كلّهم ... قد جار في حكمه من كان يسقيني
إني غفلت عن الساقي فصيرني ... كما تراني سليب العقل والدّين
لا أستطيع نهوضا قد وهى جسدي ... ولا أجيب المنادى حين يدعوني
فاختر لبغداد قاض إنني رجل ... الراح يقتلني والعود يحييني!