للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فوحقّ من أبلى بهم ... نفسي ومن عافاهم

لو قيس موتاهم بهم ... كانوا هم موتاهم

ثم نظر حوله فرأى جميل الهيئة حسن الوجه، فشق ثيابه وقال:

هذا السعيد لديهم ... قد صار بي أشقاهم

[أبو فحمة]

قال أبو البحتري الشاعر: كان يبلغني أن ببغدا مجنونا يكنى أبا فحمة، له بديهة حسنة، فتعرضت له، فأتيح لي لقاؤه في بعض سكت بغداد؛ فقلت له: كيف أصبحت أبا فحمة؟ فأنشأ يقول:

أصبحت منك على شفاجرف ... متعرّض لموارد التّلف «١»

وأراك نحوي غير ملتفت ... متحرّفا عن غير منحرف

يا من أطال بهجره كلفي ... أسفي عليك أشدّ من كلفي

قال أبو البحتري: فأخرجت له قبصة نرجس كانت في كمّي فحيّيته بها، فجعل يشمها مليا، ثم أنشأ يقول:

لمّا تزوجت الجنوب بهاطل ... جون هتون زبرج دلّاح «٢»

أضحى يلقّحها بوسمي الصّبا ... فاستثقلت حملا بغير نكاح «٣»

حتى إذا حان المخاض تفجّرت ... فأتت بولدان بلا أرواح

حاك الربيع لها ثيابا وشّيت ... بيد النّدى وأنامل الأرواح

من أصفر في أزهر قد زانه ... تبر على ورق من الأوضاح

ركّبن في عمد الزّبرجد فاغتدى ... نحو الغزالة ناظرا بملاح