تركت امرأتي وقد عسر عليها ولادها. فقال له العتابي: ألا أدلك على ما يسهّل عليها! قال: وما هو؟ قال: اكتب على رحمها: «هارون» . قال: وما معناك في هذا؟ قال: ألست القائل فيه:
إن أخلف القطر لم تخلف مواهبه ... أو ضاق أمر ذكرناه فيتسع
فقال: أبا لخلفاء تعرّض وفيهم تقع وإياهم تعيب؟ فيقال إنه دخل على هارون فأعلمه ما كان من قول العتابي، فكتب إلى عبد الصمد عمه يأمره بقتله. فكتب إليه عبد الصمد يشفع له، فوهبه له.
[تقبيح الحسن وتحسين القبيح]
سئل بعض علماء الشعر: من أشعر الناس؟ قال: الذي يصوّر الباطل في صورة الحق، والحقّ في صورة الباطل، بلطف معناه، ودقة فطنته، فيقبّح الحسن الذي لا أحسن منه، ويحسّن القبيح الذي لا أقبح منه.
فمن تحسين القبيح قول الحارث بن هشام يعتذر من فراره يوم بدر.
الله أعلم ما تركت قتالهم ... حتى رموا مهري بأشقر مزبد
وعلمت أني إن أقاتل واحدا ... أقتل ولا يضرر عدوّي مشهدي
فصدفت عنهم والأحبّة فيهم ... طمعا لهم بعقاب يوم مرصد «١»
وهذا الذي سمعه صاحب رتبيل فقال: يا معشر العرب، حسّنتم كل شيء فحسن حتى الفرار ومن تقبيح الحسن قول بشار العقيلي في سليمان بن علي وكان وصل رجلا فأحسن:
يا سوأة يكثر الشيطان ما ذكرت ... منها التّعجّب جاءت من سليمانا
لا تعجبنّ لخير زلّ عن يده ... فكوكب النحس يسقي الأرض أحيانا «٢»