فلما ذهبت تقطّعه ضحك أبو نواس، فقالت: قبحك الله! ما برحت حتى أخذت بثأرك!
[المأمون وسوسن المغني وجارية]
حدّث أبو عبد الله بن عبد البر المدني قال: حدثني إسحاق بن ابراهيم الموصلي قال: كان للمأمون جماعة من المغنين، وفيهم مغنّ يسمى سوسنا، عليه وسم جمال قال:
فبينما هو عنده يغني إذ تطلعت جارية من جواريه فنظرت إليه فعلقته، فكانت إذا حضر سوسن تسوّي عودها وتغني:
ما مررنا بالسّوسن الغضّ إلا ... كان دمعي لمقلتي نديما
حبّذا أنت والمسمّى به أنت وإن كنت منه أذكى نسيما فإذا غاب سوسن أمسكت عن هذا الصوت وأخذت في غيره؛ فلم تزل تفعل ذلك حتى فطن المأمون، فدعا بها ودعا بالسيف والنّطع «١» ؛ ثم قال: اصدقيني أمرك قالت:
يا أمير المؤمنين، ينفعني عندك الصدق؟ قال لها: إن شاء الله! قالت: يا أمير المؤمنين، اطلعت من وراء الستارة فرأيته فعلقته، فأمسك المأمون عن عقوبتها، وأرسل إلى المغني فوهبها له وقال لا يربنا!.
قال أبو الحسن: وكان الواثق إذا شرب وسكر رقد في موضعه الذي سكر فيه، ومن سكر من ندمائه ترك ولم يخرج؛ فشرب يوما فسكر ورقد، وانقلب أصحابه، إلا مغنيا أظهر التراقد، وبقيت معه مغنية للواثق؛ فلما خلا المجلس وقع المغني في سحاءة «٢» ودفعها إليها:
إني رأيتك في المنام كأنني ... مترشّف من ريق فيك البارد
وكأنّ كفّك في يدي وكأنما ... بتنا جميعا في فراش واحد
ثم انتبهت ومنكباك كلاهما ... في راحتيّ وتحت خدّك ساعدي «٣»