وقالوا: لما قدم عمرو بن العاص على معاوية وقام معه في شأن علي بعد أن جعل له مصر طعمة. قال له: إن بأرضك رجلا له شرف واسم، والله إن قام معك استهويت به قلوب الرجال؛ وهو عبادة بن الصامت. فأرسل إليه معاوية، فلما أتاه وسّع له بينه وبين عمرو بن العاص، فجلس بينهما، فحمد الله معاوية وأثنى عليه، وذكر فضل عبادة وسابقته، وذكر فضل عثمان وما ناله، وحضّه على القيام معه؛ فقال عبادة: قد سمعت ما قلت، أتدريان لم جلست بينكما في مكانكما؟ قالا: نعم، لفضلك وسابقتك وشرفك. قال: لا والله، ما جلست بينكما لذلك، وما كنت لأجلس بينكما في مكانكما؛ ولكن بينا نحن نسير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم في غزاة تبوك، إذ نظر إليكما تسيران وأنتما تتحدّثان، فالتفت إلينا فقال: إذا رأيتموهما اجتمعا ففرّقوا بينهما؛ فإنما لا يجتمعان على خير أبدا! وأنا أنهاكما عن اجتماعكما؛ فأمّا ما دعوتماني إليه من القيام معكما، فإنّ لكما عدوّا هو أغلظ أعدائكما عليكما، وأنا كامن من ورائكم في ذلك العدو، إن اجتمعتم على شيء دخلت فيه.
[أمر الحكمين]
أبو الحسن قال: لما كان يوم الهرير، وهو أعظم يوم بصفين، زحف أهل العراق على أهل الشام فأزالوهم عن مراكزهم، حتى انتهوا إلى سرادق»
معاوية، فدعا بالفرس وهمّ بالهزيمة، ثم التفت إلى عمرو بن العاص وقال له: ما عندك؟ قال: تأمر بالمصاحف فترفع في أطراف الرماح، ويقال: هذا كتاب الله يحكم بيننا وبينكم ...
فلما نظر أهل العراق إلى المصاحف، ارتدعوا واختلفوا: قال بعضهم: نحاكمهم إلى كتاب الله، وقال بعضهم: لا نحاكمهم، لأنا على يقين من أمرنا ولسنا على شك.
ثم أجمع رأيهم على التحكيم، فهمّ عليّ أن يقدّم أبا الأسود الدؤني، فأبى الناس عليه؛ فقال له ابن عباس: اجعلني أحد الحكمين، فو الله لأفتلنّ لك حبلا لا ينقطع