وسطه، ولا ينشر طرفاه، فقال علي: لست من كيدك ولا من كيد معاوية في شيء؛ لا أعطيه إلا السيف حتى يغلبه الحق. قال: وهو والله لا يعطيك إلا السيف حتى يغلبك الباطل. قال: وكيف ذلك؟ قال: لأنك تطاع اليوم وتعصي غدا، وإنه يطاع ولا يعصى!.
فلما انتشر عن علي أصحابه قال: لله بلاء ابن عباس، إنه لينظر إلى الغيب بستر رقيق.
قال: ثم اجتمع أصحاب البرانس «١» - وهم وجوه أصحاب علي- على أن يقدّموا أبا موسى الأشعري- وكان مبرنسا- وقالوا: لا نرضى بغيره. فقدّمه عليّ، وقدّم معاوية عمرو بن العاص، فقال معاوية لعمرو: إنك قد رميت برجل طويل اللسان قصير الرأي، فلا ترمه بعقلك كله.
فأخلي لهما مكان يجتمعان فيه. فأمهله عمرو بن العاص ثلاثة أيام، ثم أقبل إليه بأنواع من الطعام يشهّيه بها، حتى إذا استبطن أبو موسى ناجاه عمرو فقال له: يا أبا موسى، إنك شيخ أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلم، وذو فضلها وذو سابقتها؛ وقد ترى ما وقعت فيه هذه الأمّة من الفتنة العمياء التي لا بقاء معها؛ فهل لك أن تكون ميمون هذه الأمّة فيحقن الله بك دماءها، فإنه يقول في نفس واحدة وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً
«٢» . فكيف بمن أحيا أنفس هذا الخلق كله؟
قال له: وكيف ذلك؟
قال: تخلع أنت عليّ بن أبي طالب، وأخلع أنا معاوية بن أبي سفيان؛ ونختار لهذه الأمّة رجلا لم يحضر في شيء من الفتنة ولم يغمس يده فيها.