رعده، وتلألأ برقه؛ فنزل الأرض فرويت واخضلّت واخضرت وأسقيت، فروي ظمآتها، وامتلأ عطشانها. فكذلك نعدّك أنت يا أمير المؤمنين أضاء الله بك الظلمة الداجية بعد العموس «١» فيها، وحقن بك دماء قوم أشعر خوفك قلوبهم، فهم يبكون لما يعلمون من حزمك وبصيرتك، وقد علموا أنك الحرب وابن الحرب، إذا احمرّت الحدق، وعضّت المغافر بالهام «٢» . عزّ بأسك، واستربط جأشك، مسعار هتّاف، وكافّ بصير بالأعداء، مغري الخيل بالنّكراء، مستغن برأيه عن رأي ذوي الألباب، برأي أريب، وحلم مصيب. فأطال الله لأمير المؤمنين البقاء، وتمّم عليه النعماء. ودفع به الأعداء.
فرضي عنه هشام وأمر له بجائزة.
[خلاص ابن هبيرة من خالد القسري:]
العتبي قال: لما أتي بابن هبيرة إلى خالد بن عبد الله القسري وهو والي العراق، أتي به مغلولا مقيّدا في مدرعة. فلما صار بين يدي خالد ألقته الرجال إلى الأرض، فقال: أيها الأمير، إن القوم الذين أنعموا عليك بهذه النعمة قد أنعموا بها على من قبلك، فأنشدك الله أن تستنّ فيّ بسنّة يستنّ بها فيك من بعدك، فأمر به إلى الحبس.
فأمر ابن هبيرة غلمانه فحفروا له تحت الأرض سردابا حتى خرج الحفر تحت سريره، ثم خرج منه ليلا وقد أعدّت له أفراس يداولها، حتى، أتى مسلمة بن عبد الملك، فاستجار به فأجاره، واستوهبه مسلمة من هشام بن عبد الملك، فوهبه إياه.
فلما قدم خالد بن عبد الله القسريّ على هشام، وجد عنده ابن هبيرة، فقال له:
إباق العبد أبقت «٣» . قال له: حين نمت نومة الأمة. فقلل الفرزدق في ذلك:
لمّا رأيت الأرض قد سدّ ظهرها ... فلم يبق إلا بطنها لك مخرجا