خوف المضج؛ فهم بين شريد باد، وبين خائف منقمع وساكت مكعوم «١» ، وداع مخلص، وموجع ثكلان؛ قد أخملتهم التّقيّة، وشملتهم الذلة؛ فهم في بحر أجاج؛ أفواههم ضامرة، وقلوبهم قرحة؛ قد وعظوا حتى ملوا، وقهروا حتى ذلوا؛ وقتلوا حتى قلّوا؛ فلتكن الدنيا في أعينكم أصغر من حثالة القرظ «٢» ، وقراضة الجلمين؛ واتعظوا بمن كان قبلكم قبل أن يتعظ بكم من بعدكم، وارفضوها ذميمة، فقد رفضت من كان أشغف بها منكم.
[وليزيد بن معاوية بعد موت أبيه]
الحمد لله الذي ما شاء صنع، من شاء أعطى ومن شاء منع، ومن شاء خفض ومن شاء رفع. إن أمير المؤمنين كان حبلا من حبال الله، مدّه ما شاء أن يمده، ثم قطعه حين أراد أن يقطعه؛ وكان دون من قبله، وخيرا مما يأتي بعد، ولا أزكّيه عند ربه وقد صار إليه؛ فإن يعف عنه فبرحمته، وإن يعاقبه فبذنبه؛ وقد وليت بعده الأمر، ولست أعتذر من جهل، ولا أني على طلب علم؛ وعلى رسلكم «٣» إذا كره الله شيئا غيره؛ وإذا أحب شيئا يسّره.
[وخطبة ليزيد أيضا]
الحمد لله أحمده وأستعينه، وأومن به وأتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا؛ من يهد الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، اصطفاه لوحيه، واختاره لرسالته، بكتاب فصّله وفضّله، وأعزّه وأكرمه، ونصره وحفظه؛ ضرب فيه الأمثال، وحلّل فيه الحلال وحرّم فيه الحرام وشرع فيه الدين إعذارا وإنذارا: لئلا يكون للناس على الله حجّة بعد الرسل، ويكون بلاغا لقوم عابدين.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله العظيم الذي ابتدأ الأمور بعلمه وإليه يصير معادها،