ثم اجتمعوا فالتقوا في يوم قائظ إلى جنب جفر الهباءة «١» ، واقتتلوا من بكرة حتى انتصف النهار، وحجز الحرّ بينهم، وكان حذيفة بن بدر يحرق فخذيه الركض، فقال قيس بن زهير: يا بني عبس، إن حذيفة غدا إذا احتدمت الوديقة «٢» مستنقع في جفر الهباءة فعليكم بها. فخرجوا حتى وقعوا على أثر صارف، فرس حذيفة، والحنفاء، فرس حمل بن بدر، فقال قيس بن زهير: هذا اثر الحنفاء وصارف، فقفوا أثرهما حتى توافوا مع الظهيرة على الهباءة. فبصر بهم حمل بن بدر، فقال لهم: من أبغض الناس إليكم أن يقف على رؤسكم؟ قالوا: قيس بن زهير، والربيع بن زياد، فقال:
هذا قيس بن زهير قد أتاكم فلم ينقض كلامه حتى وقف قيس وأصحابه على جعفر الهباءة، وقيس يقول: لبيكم لبيكم! يعني إجابة الصّبية الذين كانوا ينادونهم إذ يقتلون! وفي حذيفة وحمل ابنا بدر ومالك بن بدر، وورقاء بن خلال من بني ثعلبة ابن سعد، وحنس بن وهب، فوقف عليهم شدّدا بن معاوية العبسي، وهو فارس جروة، وجروة فرسه، ولها يقول:
ومن يك سائلا عني فإني ... وجروة كالشّجا تحت الوريد «٣»
أقوّتها بقوتي إن شتونا ... وألحفها ردائي في الجليد
فحال بينهم وبين خيليهم، ثم توافت فرسان بني عبس، فقال حمل: ناشدتك الله والرحم يا قيس! فقال: لبيكم لبيكم! فعرف حذيفة أنه لن يدعهم، فانتهر حملا وقال: إياك والمأثور من الكلام! فذهبت مثلا، وقال لقيس: لئن قتلتني لا تصلح غطفان بعدها! فقال قيس: أبعدها الله ولا أصلحها! وجاءه قراوش بمعبلة «٤» فقصم صلبه، وابتدره الحارث بن زهير وعمرو بن الأسلع، فضرباه بسيفهما حتى ذفّفا «٥»