ثم جاء ووقف على باب المجلس، وقال: اصنعوا بي ما صنعتم بأنفسكم. قال: فجاء الغلام فطرح عليه ثياب المنادمة، ودعا بالطعام فطعم. ثم جاء بالشراب فشرب ثلاثا، ثم قال: ليخفّف عنيّ فإنه شيء ما شربته قط. فتهلل وجه جعفر بن يحيى: جعلني الله فداك، قد نفصّلت عنيّ فإنه شيء ما شربته قط. فتهلل وجه جعفر وفرح. وكان الرشيد قد عتب على عبد الملك بن صالح ووجد «١» عليه، فقال له جعفر بن يحيى: جعلني الله فداك، قد تفضّلت وتطوّلت وأسعدت، فهل من حاجة تبلغها مقدرتي، أو تحيط بها نعمتي، فأقضيها لك مكافأة لما صنعت؟ قال: بلى، إن قلب أمير المؤمنين عاتب عليّ فسله الرضا عني. قال: قد رضي عنك أمير المؤمنين. ثم قال: عليّ أربعة آلاف دينار.
قال: حاضرة، ولكن من مال أمير المؤمنين. أحبّ اليك. قال: وابني إبراهيم أحب أن أشدّ ظهره بصهر من أولاد أمير المؤمنين. قال. قد زوّجه أمير المؤمنين عائشة. قال:
وأحب أن تخفق الألوية على رأسه. قال: قد ولّاه أمير المؤمنين مصر. قال:
وانصرف عبد الملك ونحن نعجب من إقدامه على قضاء الحوائج من غير استئذان أمير المؤمنين. فلما كان من الغد وقفنا على باب الرشيد ودخل جعفر، فلم نلبث أن دعي بأبي يوسف القاضي ومحمد بن الحسن وإبراهيم بن عبد الملك، فعقد النكاح وحملت البدر إلى منزل عبد الملك؛ وكتب سجلّ إبراهيم على مصر.. وخرج جعفر فأشار إلينا، فلما صار إلى منزله ونحن خلفه، نزل ونزلنا بنزوله؛ فالتفت إلينا، فقال:
تعلقت قلوبكم بأوّل أمر عبد الملك فأحببتم معرفة آخره، وإني لما دخلت على أمير المؤمنين مثلت بين يديه وابتدأت القصة من أولها؛ فجعل يقول: أحسن والله، فما صنعت؟ فأخبرته بما سأل وبما أجبته به، فجعل يقول في ذلك: أحسنت: أحسنت! وخرج إبراهيم واليا على مصر.
[ذو حاجة على باب ملك من الأكاسرة]
: وقدم رجل على ملك من ملوك الأكاسرة، فمكث ببابه حينا لا يصل إليه، فتلطف في رقعة أوصلها إليه، وفيها أربعة أسطر: