قد زرت قبرك في حلي وفي حلل ... كأنني لست من أهل المصيبات
أردت آتيك فيما كنت أعرفه ... أن قد تسرّ به من بعض هيآتي
فمن رآني رأى عبرى مولّهة ... عجيبة الزّيّ تبكي بين أموات
وقال: رأيت بصحراء جارية قد ألصقت خدها بقبر وهي تبكي وتقول:
خدّي يقيك خشونة اللّحد ... وقليلة لك سيّدي خدّي
يا ساكن القبر الذي بوفاته ... عميت عليّ مسالك الرّشد
اسمع أبثّك علّتي ولعلّني ... أطفي بذلك حرقة الوجد
[من رثى جاريته]
كان لمعلى الطائي جارية يقال لها وصف، وكانت أديبة شاعرة، فأخبرني محمد بن وضّاح، قال: أدركت معلّى الطائي بمصر وأعطي بجاريته وصف أربعة آلاف دينار، فباعها؛ فلما دخل عليها قالت له: بعتني يا معلّى! قال: نعم. قالت: والله لو ملكت منك مثل ما تملك مني ما بعتك بالدنيا وما فيها! فردّ الدنانير واستقال صاحبه، فأصيب بها إلى ثمانية أيام؛ فقال يرثيها:
يا موت كيف سلبتني وصفا ... قدّمتها وتركتني خلفا
هلّا ذهبت بنا معا فلقد ... ظفرت يداك فسمتني خسفا
وأخذت شقّ النفس من بدني ... فقبرته وتركت لي النّصفا
فعليك بالباقي بلا أجل ... فالموت بعد وفاتها أعفى
يا موت ما أبقيت لي أحدا ... لمّا رفعت إلي البلى وصفا
هلّا رحمت شباب غانية ... ريّا العظام وشعرها الوحفا «١»
ورحمت عيني ظبية جعلت ... بين الرّياض تناظر الخشفا «٢»
تغفي إذا انتصبت فرائصه ... وتظل ترعاه إذا أغفى»