بالعلف حتى كاد يسنق. وليس هذا معناه، وإنما المعنى فيه ما قال أبو عبيدة: أن ملوك العرب بلغ من حزمها ونظرها في العواقب ان احدهم لا يبيت الا وفرسه موقوف بسرجه ولجامه بين يديه قريبا منه، مخافة عدو يفجؤه أو حالة تصعب عليه، فكان للنعمان فرس يقال له اليحموم، فيتعاهده كل عشية، وهذا مما يتمادح به العرب من القيام بالخيل وارتباطها بأفنية البيوت.
[بيت لزهير]
ومما عابوه وليس بعيب، قول زهير:
قف بالدّيار التي لم يعفها القدم ... بلى وغيّرها الأرياح والدّيم «١»
فنفى ثم حقق في معنى واحد، فنقض في عجز هذا البيت ما قال في صدره، لانه زعم ان الديار لم يعفها القدم، ثم انه انتبه من مرقده فقال: بلى، عفاها وغيّرها أيضا الارياح والديم! وليس هذا معناه الذي ذهب اليه، وإنما معناه أن الديار لم تعف في عينه، من طريق محبته لها وشغفه بمن كان فيها.
[بيت لبعض الشعراء]
وقال غيره في هذا المعنى ما هو أبين من هذا، وهو:
ألا ليت المنازل قد بلينا ... فلا يرمين عن شزر حزينا «٢»
فقوله: ألا ليت المنازل قد بلينا. أي. بلى ذكرها، ولكنها تتجدّد على طول البلى بتجدّد ذكرها.
وقال الحسن بن هانىء: في هذا المعنى فلخصه وأوضحه وشنّفه «٣» وقرّطه حيث يقول: