كنظري إلى آبائهم قبلهم؛ إن دولتكم ستطول، وكلّ طويل مملول؛ وكلّ مملول مخذول، فإذا كان ذلك كذلك، كان سببه اختلافكم فيما بينكم، واجتماع المخلفين عليكم، فيدبر الأمر بضدّ ما أقبل له، فلست أذكر جسيما يركب منكم ولا قبيحا ينتهك فيكم، إلا والذي أمسك عن ذكره أكثر وأعظم؛ ولا معوّل عليه عند ذلك أفضل من الصبر واحتساب الأجر، فيمادكم القوم دولتهم امتداد العنانين في عنق الجواد، حتى إذا بلغ الله بالأمر مداه، وجاء الوقت المبلول بريق النبي صلّى الله عليه وسلم، مع الخلقة المطبوعة على ملالة الشيء المحبوب، كانت الدولة كالإناء «١» المكفأ فعندها أوصيكم بتقوى الله الذي لم يتقه غيركم فيكم، فجعل العاقبة لكم، والعاقبة للمتقين.
قال عمرو بن عتبة: فدخلت عليه يوما آخر فقال: يا عمرو، أوعيت كلامي؟
قلت: وعيت. قال: أعد عليّ كلامي، فلقد كلمتكم وما أراني أمسي من يومكم ذلك.
[شبيب وعبد الله:]
قال شبيب بن شيبة الأهتمي حججت عام هلك هشام وولي الوليد بن يزيد، وذلك سنة خمس وعشرين ومائة، فبينما أنا مريح ناحية من المسجد، إذ طلع من بعض أبواب المسجد فتى أسمر رقيق السّمرة، موفر الّلمّة «٢» ، خفيف الّلحية، رحب الجبهة، أقنى «٣» بين القنا، أعين كأن عينيه لسانان ينطقان، يخلق أبّهة الأملاك بزي النساك، تقبله القلوب، وتنبعه العيون، يعرف الشرف في تواضعه والعتق في صورته، والّلب في مشيته؛ فما ملكت نفسي أن نهضت في أثره سائلا عن خبره، وسبقني فتحرّم بالطواف، فلما سبّع قصد المقام فركع، وأنا أرعاه ببصري، ثم نهض