منصرفا، فكأن عينا أصابته، فكبا «١» كبوة دميت لها أصبعه، فقعد لها القرفصاء، فدنوت منه متوجعا لما ناله، متصلا به، أمسح رجله من عفر التراب، فلا يمتنع علي، ثم شققت حاشية ثوبه فعصبت بها أصبعه وما ينكر ذلك ولا يدفعه، ثم نهض متوكئا عليّ، وانقدت له أماشيه، حتى إذا أتى دارا بأعلى مكة ابتدره رجلان تكاد صدورهما تنفرج من هيبته، ففتحا له الباب فدخل واجتذبني فدخلت بدخوله؛ ثم خلى يدي وأقبل على القبلة، فصلى ركعتين أوجز فيهما في تمام، ثم استوى في صدر مجلسه، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلّى الله عليه وسلم أتم صلاة وأطيبها، ثم قال: لم يخف عليّ مكانك منذ اليوم ولا فعلك بي؛ فمن تكون يرحمك الله؟ قلت: شبيب بن شيبة التميمي، قال: الأهتمي؟ قلت: نعم. قال: فرحّب وقرّب، ووصف قومي بأبين بيان وأفصح لسان، فقلت له: أنا أجلك- أصلحك الله- عن المسألة، وأحبّ المعرفة! فتبسم وقال: لطف أهل العراق! أنا عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس. فقلت: بأبي أنت وأمي، ما اشبهك بنسبك وأدلّك على منصبك! ولقد سبق إلى قلبي من محبتك ما لا أبلغه بوصفي لك! قال: فاحمد الله يا أخا بني تميم فإنّا قوم إنما يسعد الله بحبّنا من أحبّه؛ ويشقي ببغضنا من أبغضه، ولن يصل الإيمان إلى قلب أحدكم حتى يحب الله ويحب رسوله؛ ومهما ضعفنا عن جزائه قوي الله على أدائه.
فقلت له: أنت توصف بالعلم وأنا من حملته، وأيام الموسم ضيقة، وشغل أهل مكة كثير، وفي نفسي أشياء أحبّ أن أسأل عنها؛ أفتأذن لي فيها جعلت فداك؟ قال:
نحن من أكثر الناس مستوحشون، وأرجو أن تكون للسرّ موضعا، وللأمانة واعيا؛ فإن كنت كما رجوت فافعل. قال: فقدّمت من وثائق القول والأيمان ما سكن إليه، فتلا قول الله: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً؟ قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ