تصلح دنياهم بفساد آخرتك، فإن أخسر الناس صفقة يوم القيامة وأعظمهم غبنا، من باع آخرته بدنيا غيره. قال سليمان: أما أنت يا أعرابي فقد سللت لسانك وهو أحد سيفيك. قال: أجل يا أمير المؤمنين، لك لا عليك.
[المأمون وواعظ:]
ووعظ رجل المأمون فأصغى إليه منصتا، فلما فرغ قال: قد سمعت موعظتك، فأسأل الله أن ينفعنا بها، وربما عملنا، غير أنا أحوج إلى المعاونة بالفعال منا إلى المعاونة بالمقال، فقد كثر القائلون وقلّ الفاعلون.
العتبي قال: دخل رجل من عبد القيس على أبي فوعظه، فلما فرغ قال أبي له: لو اتعظنا بما علمنا لانتفعنا بما عملنا، ولكنا علمنا علما لزمتنا فيه الحجة، وغفلنا غفلة من وجبت عليه النقمة، فوعظنا في أنفسنا بالتنقل من حال إلى حال، ومن صغر إلى كبر، ومن صحة إلى سقم، فأبينا إلا المقام على الغفلة، إثارا لعاجل لا بقاء لأهله، وإعراضا عن آجل إليه المصير.
[عتبان بن أبي سفيان وبعض القراء:]
سعد القصير قال: دخل أناس من القراء على عتبة بن أبي سفيان فقالوا: إنك سلطت السيف على الحق ولم تسلط الحق على السيف، وجئت بها عشوة «١» خفيّة. قال:
كذبتم! بل سلطت الحق وبه سلطت، فاعرفوا الحق تعرفوا السيف، فإنكم الحاملون له حيث وضعه أفضل، والواضعون له حيث عمله أعدل، ونحن في أوّل زمان لم يأت آخره، وآخر دهر قد فات أوله. فصار المعروف عندكم منكرا، والمنكر معروفا. وإني أقول لكم مهلا، قبل أن أقول لنفسي هلا! قالوا: فنخرج آمنين؟ قال غير راشدين ولا مهذبين.