أبو الحسن قال: لما انقضى أمر الحكمين واختلف أصحاب علي، قال بعض الناس: ما منع أمير المؤمنين أن يأمر بعض أهل بيته فيتكلم؟ فإنه لم يبق أحد من رؤساء العرب إلا وقد تكلم. قال: فبينما عليّ يوما على المنبر إذ التفت إلى الحسن ابنه فقال: قم يا حسن فقل في هذين الرجلين: عبد الله بن قيس وعمرو ابن العاص. فقام الحسن، فقال:
«أيها الناس، إنكم قد أكثرتم في هذين الرجلين، وإنما بعثا ليحكما بالكتاب دون الهوى، فحكما بالهوى دون الكتاب؛ ومن كان هكذا لم يسم حكما، ولكنه محكوم عليه؛ وقد أخطأ عبد الله بن قيس إذ جعلها لعبد الله بن عمر، فأخطأ في ثلاث خصال: واحدة، أنه خالف أباه، إذ لم يرضه لها ولا جعله من أهل الشورى؛ وأخرى، أنه لم يستأمر في نفسه؛ وثالثة، أنه لم يجتمع عليه المهاجرون والأنصار الدين يعقدون الإمارة ويحكمون بها على الناس. وأما الحكومة فقد حكّم النبي عليه الصلاة والسلام سعد بن معاذ في بني قريظة، فحكم بما يرضي الله به ولا شك، ولو خالف لم يرضه رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
ثم جلس، فقال لعبد الله بن عباس: قم. فقام عبد الله بن عباس، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه:
أيها الناس، إن للحق أهلا أصابوه بالتوفيق، والناس بين راض به وراغب عنه، فإنه بعث عبد الله بن قيس يهدي إلى ضلالة، وبعث عمرو بضلالة إلى هدى فلما التقيا رجع عبد الله بن قيس عن هداه، وثبت عمرو على ضلالة؛ وايم الله لئن كانا حكما بما سارا به لقد سار عبد الله وعلي إمامه، وسار عمرو ومعاوية إمامه، فما بعد هذا من غيب ينتظر.
فقال عليّ لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب: قم. فقام فحمد الله وأثنى عليه، وقال: