قال الحارث: إنّ في الحق مغضبة، والسّرو التغافل «١»
، ولن يستوجب أحد الحلم إلا مع القدرة، فلتشبه أفعالك مجلسك.
قال كسرى: هذا فتى القوم.
ثم قال كسرى: قد فهمت ما نطقت به خطباؤكم، وتفنّن فيه متكلّموكم ولولا أني أعلم أن الأدب لم يثقّف أودكم، ولم يحكم أمركم، وأنه ليس لكم ملك يجمعكم فتنطقون عنده منطق الرعية الخاضعة الباخعة، فنطقتم بما استولى على ألسنتكم، وغلب على طباعكم، لم أجز لكم كثيرا مما تكلمتم به. وإني لأكره أن أجبّه «٢»
وفودي أو أحنق صدورهم، والذي أحبّ هو إصلاح مدبركم، وتألف شواذّكم، والإعذار إلى الله فيما بيني وبينكم؛ وقد قبلت ما كان في منطقكم من صواب. وصفحت عما كان فيه من خلل؛ فانصرفوا إلى ملككم فأحسنوا مؤازرته والتزموا طاعته، واردعوا سفهاءكم وأقيموا أودهم، وأحسنوا أدبهم، فإن في ذلك صلاح العامّة.
[وفود حاجب بن زرارة على كسرى]
العتبي عن أبيه: أن حاجب بن زرارة وفد على كسرى لما منع تميما من ريف العراق، فاستأذن عليه، فأوصل إليه فقال: أسيّد العرب أنت؟ قال: لا. قال: فسيّد مضر؟ قال: لا. قال: فسيّد بني أبيك أنت؟ قال: لا. ثم أذن له فدخل عليه. قال:
من أنت؟ قال: سيد العرب! قال: أليس قد أوصلت إليك: أسيّد العرب أنت؟
فقلت: لا، حتى اقتصرت بك على بني أبيك، فقلت: لا؟ قال له: أيها الملك، لم أكن كذلك حتى دخلت عليك، فلما دخلت عليك صرت سيد العرب. قال كسرى:
زه «٣»
! املئوا فاه درّا. ثم قال: إنكم معشر العرب غدر، فإن أذنت لكم أفسدتم البلاد، وأغرتم على العباد، وأذيتموني. قال حاجب: فإني ضامن للملك ألّا يفعلوا.