قال كسرى: فإن أتاك آت من جهة عينك العوراء ما أنت صانع؟
قال: ما هيبتي في قفاي بدون هيبتي في وجهي، وما أذهب عيني عيث «١» ولكن مطاوعة العيث.
ثم قام عمرو بن معد يكرب الزّبيدي فقال: إنما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه فبلاغ المنطق الصواب، وملاك النّجعة الارتياد، وغفو الرأي خير من استكراه الفكرة، وتوقّف الخبرة خير من اعتساف الحيرة، فاجتبذ «٢» طاعتنا بلفظك، واكتظم «٣» بادرتنا بحلمك، وألن لنا كنفك «٤» يسلس لك قيادنا، فإنّا أناس لم يوقس «٥» صفاتنا قراع مناقير من أراد لنا قضما، ولكن منعنا حمانا من كل من رام لنا هضما.
ثم قام الحارث بن ظالم المرّي فقال: إنّ من آفة المنطق الكذب، ومن لؤم الأخلاق الملق «٦» ، ومن خطل الرأي خفة الملك المسلّط، فإن أعلمناك أن مواجهتنا لك عن ائتلاف، وانقيادنا لك عن تصاف، ما أنت لقبول ذلك منا بخليق، ولا للاعتماد عليه بحقيق، ولكن الوفاء بالعهود، وإحكام ولث العقود، والأمر بيننا وبينك معتدل، ما لم يأت من قبلك ميل أو زلل.
قال كسرى: من أنت؟
قال: الحارث بن ظالم.
قال: إن في أسماء آبائك لدليلا على قلة وفائك، وأن تكون أولى بالغدر، وأقرب من الوزر.