من طرائف بلدنا. قالوا ما نتمنى إلا السيف الذي قطعت به سيوفنا. قال لهم: هذا مما لا يجوز في ديننا أن نهاديكم بالسلاح، ولولا ذلك ما بخلنا به عليكم، ولكن تمنوا غير ذلك ما شئتم. قالوا: ما نتمنى إلا به. قال: لا سبيل إليه. ثم أمر لهم بتحف كثيرة، وأحسن جائزتهم.
[بين المأمون وطاهر بن الحسين:]
أبو جعفر البغدادي قال: لما انقبض طاهر بن الحسين بخراسان عن المأمون وأخذ حذره، أدّب له المأمون وصيفا بأحسن الآداب، وعلّمه فنون العلم، ثم أهداه إليه مع ألطاف كثيرة من طرائف العراق وقد واطأه على أن يسمّه، وأعطاه سمّ ساعة، ووعده على ذلك بأموال كثيرة؛ فلما انتهى إلى خراسان وأوصل إلى طاهر الهدية، قبل الهدية وأمر بإنزال الوصيف في دار، وأجرى عليه ما يحتاج إليه من التوسعة في النّزالة، وتركه أشهرا. فلما برم «١» الوصيف بمكانه، كتب إليه:
يا سيدي، إن كنت تقبلني فاقبلني، وإلا فردّني إلى أمير المؤمنين.
فأرسل إليه وأوصله إلى نفسه. فلما انتهى إلى باب المجلس الذي كان فيه، أمره بالوقوف عند باب المجلس، وقد جلس على لبد أبيض وقرّع رأسه وبين يديه مصحف منشور، وسيف مسلول. فقال: قد قبلنا ما بعث به أمير المؤمنين غيرك، فإنا لا نقبلك، وقد صرفناك إلى أمير المؤمنين. وليس عندي جواب أكتبه إلا ما ترى من حالي. فأبلغ أمير المؤمنين السلام وأعلمه بالحال التي رأيتني فيها.
فلما قدم الوصيف على المأمون وكلمه بما كان من أمره ووصف له الحالة التي رآه فيها، شاور وزراءه في ذلك وسألهم عن معناه. فلم يعلمه واحد منهم. فقال المأمون:
لكني قد فهمت معناه: أما تقريعه رأسه وجلوسه على اللّبد الأبيض، فهو يخبرنا أنه عبد ذليل؛ وأما المصحف المنشور، فإنه يذكّرنا بالعهود التي له علينا؛ وأما السيف