ثم قال: أما والله لكأني أنظر إلى شؤبوبها قد همع «١» ، وعارضها قد لمع «٢» ، وكأني بالوعيد قد وقع، فأقلع عن براجم «٣» بلا معاصم، وجماجم بلا غلاصم «٤» ، فمهلا مهلا؛ فبي والله يسهل لكم الوعر، ويصفو لكم الكدر، وألقت إليكم الأمور مقاليد أزمّتها، فالتدارك التدارك قبل حلول داهية، خبوط باليد لبوط بالرّجل.
قال عبد الملك: أفذّا «٥» ما تكلمت أم توءما يا أمير المؤمنين؟ قال: بل فذّا.
قال: اتق الله في ذي رحمك وفي رعيتّك التي استرعاك الله، ولا تجعل الكفر مكان الشكر، ولا العقاب موضع الثواب؛ فقد محضت لك النصيحة وأديت لك الطاعة، وشددت أواخي ملكك بأثقل من ركني يلملم «٦» ، وتركت عدوّك سبيلا تتعاوره «٧» الأقدام، فالله الله في ذي رحمك أن تقطعه بعد أن وصلته؛ إنّ الكتاب لنميمة واش وبغي باغ؛ ينهش اللحم، ويلغ «٨» في الدم، فكم ليل تمام فيك كابدته، ومقام ضيق فرّجته، وكنت كما قال الشاعر أخو بني كلاب:
ومقام ضيّق فرّجته ... بلساني ومقامي وجدل
لو يقوم الفيل أو فيّاله ... زلّ عن مثل مقامي وزحل
فرضي عنه ورحّب به، وقال وريت بك زنادي.
[الرشيد وعبد الملك بن صالح:]
والتفت الرشيد يوما إلى عبد الملك بن صالح فقال: أكفرا بالنعمة، وغدرا بالإمام؟