إنا قد ولينا هذا المقام الذي يضعف الله فيه للمحسنين الأجر، وللمسيئين الوزر، ونحن على طريق ما قصدنا له، فلا تمدوا الأعناق إلى غيرنا، فإنها تنقطع من دوننا؛ ورب متمنّ حتفه في أمنيته، اقبلونا ما قبلنا العافية فيكم وقبلناها منكم، وإياكم ولوّا «١» فإن لوّا قد أتعبت من قبلكم، ولن تريح من بعدكم؛ فأسأل الله أن يعين كلّا على كل.
فناداه أعرابي من ناحية المسجد: أيها الخليفة. قال: لست به ولم تبعد فقال: يا أخاه! فقال: أسمعت فقل.
فقال: والله لأن تحسنوا وقد أسأنا خير لكم من أن تسيئوا وقد أحسنّا فإن كان الإحسان لكم فما أحقّكم باستتمامه، وإن كان لنا فما أحقكم بمكافأتنا. رجل من بني عامر بن صعصعة يلقاكم بالعمومة، ويختص إليكم بالخئولة، وقد كثر عياله، ووطئه زمانه، وبه فقر، وفيه أجر، وعنده شكر.
فقال عتبة: أستغفر الله منكم؛ وأسأله العون عليكم، وقد أمرت لك بغناك؛ فليت إسراعنا إليك يقوم بإبطائنا عنك.
[خطبة لعتبة بن أبي سفيان]
سعد القصر قال:
وجّه عتبة بن أبي سفيان ابن أخي أبي الأعور السلمي إلى مصر فمنعوه الخراج، فقدم عليهم عتبة فقام خطيبا فقال:
يأهل مصر، قد كنتم تعتذرون لبعض المنع منكم ببعض الجور عليكم؛ فقد وليكم من يقول ويفعل، ويقول؛ فإن رددتم ردّكم بيده، وإن استعصيتم ردّكم بسيفه، ثم رجا في الآخر ما أمّل في الأوّل؛ إن البيعة مشايعة «٢» ، فلنا عليكم السمع والطاعة،