وقائلة والنعش قد فات خطوها ... لتدركه يا لهف نفسي على صخر
ألا ثكلت أمّ الذين غدوا به ... إلى القبر ماذا يحملون إلى القبر
[عائشة والخنساء في صدار كانت تلبسه:]
دخلت خنساء على عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وعليها صدار من شعر قد استشعرته إلى جلدها؛ فقال لها: ما هذا يا خنساء؟ فو الله لقد توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلم فما لبسته! قالت: إنّ له معنى دعاني إلى لباسه؛ وذلك أنّ أبي زوّجني سيدّ قومه، وكان رجلا متلافا، فأسرف في ماله حتى أنفده، ثم رجع في مالي فأنفده أيضا، ثم التفت إليّ فقال: إلى أين يا خنساء؟ قلت: إلى أخي صخر. قالت: فأتيناه فقسم ماله شطرين، ثم خيّرنا في أحسن الشطرين، فرجعنا من عنده، فلم يزل زوجي حتى أذهب جميعه، ثم التفت إليّ فقال لي: إلى أين يا خنساء؟ قلت: إلى أخي صخر! قالت: فرحلنا إليه، ثم قسم ماله شطرين وخيّرنا في أفضل الشطرين، فقالت له زوجته: أما ترضى أن تشاطرهم مالك حتى تخيّرهم بين الشطرين؟ فقال:
والله لا أمنحها شرارها ... فلو هلكت قدّدت خمارها
واتخذت من شعر صدارها ... وهي حصان قد كفتني عارها
فآليت ألّا يفارق الصدار جسدي ما بقيت.
[الخنساء في أخويها:]
قيل للخنساء: صفي لنا أخويك صخرا ومعاوية. فقالت: كان صخر والله جنة الزمان الأغبر، وذعاف الخميس الأحمر. وكان والله معاوية القائل والفاعل. قيل لها:
فأيهما كان أسنى وأفخر، قالت: أما صخر فحرّ الشتاء، وأما معاوية فبرد الهواء. قيل لها: فأيهما أوجع وأفجع. قالت: أما صخر فجمر الكبد، وأما معاوية فسقام الجسد! وأنشأت:
أسدان محمرّا المخالب نجدة ... بحران في الزّمن الغضوب الأنمر