وأقبض وأبسط؟ قال له علي: إنك بعد في المشيئة أما إني أسألك عن ثلاث، فإن قلت في واحدة منهن: لا، كفرت؛ وإن قلت: نعم، فأنت أنت. فمدّ القوم أعناقهم ليسمعوا ما يقول؛ فقال له علي: أخبرني عنك، أخلقك الله كما شئت أو كما شاء؟
قال: بل كما شاء. قال: فخلقك الله لما شئت أو لما شاء؟ قال: بل لما شاء. قال فيوم القيامة تأتيه بما شئت أو بما شاء؟ قال: بل بما شاء، قال: قم فلا مشيئة لك.
[هشام وغيلان والأوزاعي:]
قال هشام بن محمد السائب الكلبي: كان هشام بن عبد الله قد أنكر على غيلان التكلم في القدر، وتقدّم إليه في ذلك أشدّ التقدم، وقال له في بعض ما توعّده به من الكلام: ما أحسبك تنتهي حتى تنزل بك دعوة عمر بن عبد العزيز إذ احتجّ عليك في المشيئة بقول الله عز وجل: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ
«١» فزعمت أنك لم تلق لها بالا. فقال عمر: اللهم إن كان كاذبا فاقطع يده ورجله ولسانه، واضرب عنقه.
فانته أولى لك، ودع عنك ما ضرّه إليك أقرب من نفعه. فقال له غيلان، لحينه وشقوته: ابعث إليّ يا أمير المؤمنين من يكلمني ويحتجّ عليّ، فإن أخذته حجتي أمسكت عني فلا سبيل لك إليّ، وإن أخذتني حجته فسألتك بالذي أكرمك بالخلافة إلا نفّذت فيّ ما دعا به عمر عليّ. فغاظ قوله هشاما. فبعث إلى الأوزاعي فحكى له ما قال لغيلان وما ردّ غيلان عليه؛ فالتفت إليه الأوزاعي فقال له: أسألك عن خمس أو ثلاث؟ فقال غيلان؛ عن ثلاث. قال الأوزاعي: هل علمت أن الله أعان على ما حرّم؟ قال غيلان: ما علمت وعظمت عنده. قال: فهل علمت أن الله قضى على ما نهى؟ قال غيلان: هذه أعظم، مالي بهذا من علم. قال: فهل علمت أن الله حال دون ما أمر؟ قال غيلان: حال دون ما أمر؟ ما علمت. قال الأوزاعي: هذا مرتاب من أهل الزّيغ. فأمر هشام بقطع يده ورجله، ثم ألقى به في الكناسة. فاحتوشه «٢» الناس يعجبون من عظيم ما أنزل الله به من نقمته. ثم أقبل رجل كان كثيرا ما ينكر عليه