زياد عن مالك قال: من لم يكن فيه خير لنفسه لم يكن فيه خير لغيره؛ لأن نفسه أولى الأنفس كلها؛ فإذا ضيّعها فهو لما سواها أضيع؛ ومن أحب نفسه حاطها وأبقى عليها وتجنب كل ما يعيبها أو ينقصها؛ فجنبها السرقة مخافة القطع، والزنا مخافة الحدّ، والقتل خوف القصاص.
[الرشيد وبطريق هرقلة:]
داود بن علي الكاتب قال: لما افتتح هارون الرشيد هرقلة وأباحها ثلاثة أيام، وكان بطريقها الخارج عليه «فسيل» الرومي؛ فنظر إليه الرشيد مقبلا على جدار فيه كتاب باليونانية وهو يطيل النظر فيه. فدعا به وقال له: لم تركت النظر إلى الانتهاب والغنيمة وأقبلت على هذا الجدار تنظر فيه؟ فقال: يا أمير المؤمنين، قرأت في هذا الجدار كتابا هو أحب إليّ من هرقلة «١» وما فيها. قال له الرشيد: ما هو؟
قال «بسم الله الملك الحق المبين. ابن آدم، غافص «٢» الفرصة عند إمكانها، وكل الأمور إلى وليها. ولا تحمل على قلبك همّ يوم ولم يأت بعد؛ إن يكن من أجلك يأتك الله برزقك فيه؛ ولا تجعل سعيك في طلب المال أسوة المغرورين، فربّ جامع لبعل حليلته، واعلم أن تقتير المرء على نفسه هو توفير منه على غيره، فالسعيد من اتعظ بهذه الكلمات ولم يضيعها» قال له الرشيد: أعدها عليّ يا فسيل. فأعادها عليه حتى حفظها.
وقال الحسن: ابن آدم، أنت أسير في الدنيا، رضيت من لذتها بما ينقضي، ومن نعيمها بما يمضي، ومن ملكها بما ينفد، فلا تجمع الأوزار لنفسك، ولأهلك الأموال، فإذا متّ حملت الأوزار إلى قبرك وتركت أموالك لأهلك.