الرجل ووجّه إلى معن من يحضر به، فأتته رسل أمير المؤمنين وقد لبس ثيابه وقرّبت إليه دابته، فدعا أهل بيته ومواليه فقال: لا يخلصنّ «١» إلى هذا الرجل وفيكم عين تطرف. ثم ركب ودخل حتى سلم على المهدي، فلم يردّ عليه، فقال: يا معن، أتجير عليّ؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: ونعم أيضا! واشتدّ غضبه. فقال معن: يا أمير المؤمنين، قتلت في طاعتكم باليمن في يوم واحد خمسة عشر ألفا، ولي أيام كثيرة قد تقدّم فيها بلائي وحسن غنائي، فما رأيتموني أهلا أن تهبوا لي رجلا واحدا استجار بي؟ فأطرق المهدي طويلا ثم رفع رأسه وقد سرّي عنه «٢» ، فقال: قد أجرنا من أجرت. قال معن: فإن رأى أمير المؤمنين أن يصله- فيكون قد أحياه وأغناه- فعل.
قال: قد أمرنا له بخمسة آلاف. قال: يا أمير المؤمنين، إنّ صلات الخلفاء على قدر جنايات الرعية وإن ذنب الرجل عظيم؛ فأجزل له الصلة. قال: قد أمرنا له بمائة ألف. قال: فتعجّلها يا أمير المؤمنين بأفضل الدعاء. ثم انصرف ولحقه المال؛ فدعا الرجل فقال له: خذ صلتك والحق بأهلك، وإياك ومخالفة خلفاء الله تعالى.
[الجبن والفرار]
[لعمرو بن معديكرب في الفزعات]
: قال عمرو بن معديكرب: الفزعات ثلاث: فمن كانت فزعته في رجليه فذلك الذي لا تقلّه رجلاه، ومن كانت فزعته في رأسه فذلك الذي يفرّ عن أبويه، ومن كانت فزعته في قلبه فذلك الذي يقاتل.
وقال الأحنف: أسرع الناس إلى الفتنة، أقلهم حياء من الفرار.
وقالت عائشة أم المؤمنين: إنّ لله خلقا قلوبهم كقلوب الطير، كلما خفقت الريح خفقت معها؛ فأفّ للجبناء! وقال الشاعر: