يا حسرتا أهلك وجدا بمن ... لا يعرف الشكوى من الوجد
[خبر الجعدين:]
حماد الراوية قال: أتيت مكة، فجلست في حلقة منها فيها عمر بن أبي ربيعة القرشي، وإذا هم يتذاكرون العذريين وعشقهم وصبابتهم، فقال عمر بن أبي ربيعة، أحدّثكم عن بعض ذلك.
كان لي خليل من عذرة، [يقال له الجعد بن مهجع، و] يكنى أبا مسهر وكان مشتهرا بأحاديث النساء، يشبّب بهن وينشد فيهن، على أنه كان لا عاهر الخلوة، ولا حديث السلوة؛ وكان يوافي الموسم في كل سنة، فإذا أبطأ ترجمت له الأخبار، واستوقفت له السّفّارة «١» .
وإنه غاب عني ذات سنة خبره، حتى قدم وفد عذرة، فأتيت القوم أنشد صاحبي، فإذا رجل يتنفس الصعداء؛ فقال: عن أبي مسهر تسأل؟ قلت: نعم. قال: هيهات هيهات! أصبح واللَّه أبو مسهر لا حيّا يرجى، ولا ميتا ينسى، ولكنه كما قال الشاعر:
لعمرك ما هذا الغرام بتاركي ... صحيحا ولا أقضي به فأموت
فقلت: وما الذي به؟ قال: مثل الذي بك من انهما ككما في الضلال، وجرّكما أذيال الخسران، كأنكما لم تسمعا بجنة ولا نار! قلت: ما أنت منه يابن أخي؟ قال:
أخوه. قلت: واللَّه [ما يمنعك أن تسلك مسلكه الذي سلك إلا] أنك وأخاك كالوشي والبجاد «٢» ، لا يرقعك ولا ترقعه! ثم انطلقت وأنا أقول:
أرائحة حجّاج عذرة روحة ... ولما يرح في القوم جعد بن مهجع