أبو عوانة عن عاصم بن أبي وائل قال: بعث إليّ الحجاج فقال لي: ما اسمك؟
قلت: ما أرسل إليّ الأمير حتى عرف اسمي! قال: متى هبطت هذا البلد؟ قلت:
حين هبط أهله. قال: ما تقرأ من القرآن؟ قلت: أقرأ منه ما إذا تبعته كفاني. قال:
إني أريد أن أستعين بك في عملي. قلت: إن تستعين بي تستعن بكبير أخرق «١» ، ضعيف يخاف أعوان السوء؛ وإن تدعني فهو أحبّ إليّ، وإن تقحمني أتقحّم. قال:
إن لم أجد غيرك أقحمتك، وإن وجدت غيرك لم أقحمك. قلت؛ وأخرى أكرم الله الأمير: إني ما علمت الناس هابوا أميرا قط هيبتهم لك والله إني لأتعارّ «٢» من الليل فما يأتيني النوم من ذكرك حتى أصبح؛ هذا ولست لك على عمل. قال: هيه! كيف قلت؟ فأعدت عليه؛ فقال: إني والله لا أعلم على وجه الأرض خلقا هو أجرأ على دم مني، انصرف. قال: فقمت فعدلت عن الطريق كأني لا أبصر؛ فقال: أرشدوا الشيخ.
[الحجاج وأسرى الجماجم:]
لما أتي الحجاج بأسرى الجماجم، أتي فيهم بعامر الشّعبي، ومطرّف بن عبد الله الشّخّير وسعيد بن جبير، وكان الشعبي ومطرّف يريان التّقيّة، وكان سعيد بن جبير لا يراها، وكان قد تقدم كتاب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج في أسرى الجماجم، أن يعرضهم على السيف. فمن أقرّ منهم بالكفر في خروجهم علينا فيخلّي سبيله، ومن زعم أنه مؤمن فيضرب عنقه. فقال الحجاج للشعبي: وأنت ممن ألّب علينا مع ابن الأشعث؟ اشهد على نفسك بالكفر. فقال: أصلح الله الأمير، نبا «٣» بنا المنزل، وأحزن بنا الجناب، واستحلسنا «٤» الخوف، واكتحلنا السهر، وخبطتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء. قال: لله أبوك! لقد صدقت: ما بررتم بخروجكم علينا ولا قويتم، خلّوا سبيل الشيخ.