عبد الله بجمهور عسكره، فلم يكن لهم فيه إلا صدمة صادقة، أزالوهم بها عن عسكرهم، فلم يقدروا أن يتراجعوا إليه؛ ونظر الفاسق إلى معسكر عبد الله الأمير، فإذا بمدد مقبل مثل الليل، في انحدار السيل. لا ينقطع؛ فخشعت نفسه، وعطف إلى الحصن يظهر إخراج من بقي فيه، فثلم «١» ثلمة وخرج منها في خمسة معه، وقد طار بهم جناح الفرار؛ فلما انتهى ذلك إلى أهل عسكره، ولّوا مدبرين لا يلوي أحد على أحد، فعملت الرماح على أكتافهم، والسيوف في طلى «٢» أعناقهم، حتى أفنوهم أو كادوا، وكان منهم جماعة قد افترقوا في عسكر الأمير عبد الله، فقعد الأمير في المظلة وأمر بالتقاطهم، وأن لا يمر أحد على أحد منهم إلا قتله. فقتل منهم ألف رجل صبرا بين يدي الأمير.
[عبد الرحمن بن محمد أمير المؤمنين]
ثم ولي الملك القمر الأزهر، الأسد الغضنفر، الميمون النقيبة، «٣» المحمود الضريبة، سيد الخلفاء، وأنجب النجباء، عبد الرحمن بن محمد أمير المؤمنين، صبيحة هلال ربيع الأول سنة ثلاثمائة، فقلت فيه:
بدا الهلال جديدا ... والملك غضّ جديد
يا نعمة الله زيدي ... ما كان فيه مزيد
وهي عدة أبيات، فتولى الملك وهي جمرة تحتدم، ونار تضطرم، وشقاق ونفاق، فأخمد نيرانها، وسكن زلزالها، وافتتحها عودا كما افتتحها بدءا سميّه عبد الرحمن بن معاوية رحمه الله.
وقد قلت وقيل في غزواته كلها أشعار قد جالت في الأمصار، وشردت في البلدان، حتى أتهمت وأنجدت وأعرقت، ولولا أن الناس متكتفون بما في أيديهم منها