لأعدنا ذكرها أو ذكر بعضها، ولكنا سنذكر ما سبق إلينا من مناقبه التي لم يتقدمه إليها متقدّم ولا أخت لها ولا نظير. فمن ذلك أول غزاة غزاها، وهي الغزاة المعروفة بغزاة المنتلون، افتتح بها سبعين حصنا، كلّ حصن منها قد نكبت عنه الطوائف، وأعيا على الخلائف، وفيها أقول:
قد أوضح الله للإسلام منهاجا ... والناس قد دخلوا في الدّين أفواجا
وقد تزيّنت الدّنيا لساكنها ... كأنما ألبست وشيا وديباجا
يا بن الخلائف إنّ المزن لو علمت ... نداك ما كان منها الماء ثجّاجا «١»
والحرب لو علمت بأسا تصول به ... ما هيّجت من حميّاك الذي اهتاجا «٢»
مات النّفاق وأعطى الكفر ذمّته ... وذلّت الخيل إلجاما وإسراجا
وأصبح النصر معقودا بألوية ... تطوي المراحل تهجيرا وإدلاجا «٣»
أدخلت في قبّة الإسلام مارقة ... أخرجتها من ديار الشّرك إخراجا «٤»
بجحفل تشرق الأرض الفضاء به ... كالبحر يقذف بالأمواج أمواجا
يقوده البدر يسري في كواكبه ... عرمرما كسواد الليل رجراجا «٥»
تروق فيه بروق الموت لامعة ... ويسمعون به للرّعد أهزاجا
غادرت في عقوتي جيّان ملحمة ... أبكيت منها بأرض الشّرك أعلاجا «٦»
في نصف شهر تركت الأرض ساكنة ... من بعد ما كان فيها الجور قد ماجا
وجدت في الخبر المأثور منصلتا ... من الخلائف خرّاجا وولّاجا «٧»
تملا بك الأرض عدلا مثل ما ملئت ... جورا وتوضح للمعروف. منهاجا
يا بدر ظلمتها، يا شمس صبحتها ... يا ليث حومتها إن هائج هاجا «٨»