وأوصى رجل في زمن هشام بمال في فك سبيّة من أرض العدو، فطلبت فلم توجد، احتراسا منه للثغر؛ واستنقاذا لأهل السبي.
[الحكم بن هشام]
ثم ولي الخلافة الحكم بن هشام في صفر سنة ثمانين ومائة؛ وكانت ولايته ستا وعشرين سنة وإحدى عشر شهرا. ومات يوم الخميس لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ست ومائتين وهو ابن اثنتين وخمسين سنة.
وكانت فيه بطالة إلا أنه كان شجاع النفس، باسط الكف، عظيم العفة متخيرا لأهل عمله ولأحكام رعيته، أورع من يقدر عليه وأفضلهم، فيسلّطهم على نفسه، فضلا عن ولده وسائر خاصته.
وكان له قاض قد كفاه أمور رعيته، بفضله وعدله وورعه وزهده، فمرض مرضا شديدا، واغتم له الحكم غما شديدا؛ فذكر يزيد فتاه: أنه أرق يوما وليلة وبعد عنه نومه وجعل يتململ على فراشه، فقلت: أصلح الله الأمير، إني أراك متململا وقد زال النوم عنك، فلم أدر ما عرض لك! قال: ويحك، إني سمعت نائحة هذه الليلة، وقاضينا مريض، فما أراه إلا قد قضى نحبه، وأين لنا بمثله؟ ومن يقوم للرعية مقامه؟ ثم إن القاضي مات، واستقضى الحكم بعده سعيد بن بشير؛ فكان أقصد الناس إلى الحق، وآخذهم بعدل، وأبعدهم من هوى، وأنقذهم لحكم:
رفع إليه رجل من أهل كورة جيان أن عاملا للحكم اغتصبه جارية وعمل في تصييرها إلى الحكم، فوقعت من قلبه كل موقع، وأن الرجل أثبت أمره عند القاضي، وأتاه ببينة «١» يشهدون على معرفة ما تظلّم منه، وعلى عين الجارية ومعرفتهم بها، وأوجب البينة أن تحضر الجارية؛ فاستأذن القاضي على الحكم، فأذن له فلما دخل عليه قال: إنه لا يتم عدل في العامة دون إفاضته في الخاصة. وحكى له أمر الجارية،