للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخيّره في إبرازها إليه، أو عزله عن القضاء! فقال له: ألا أدعوك إلى خير من ذلك؟ تبتاع الجارية من صاحبها بأنفس ثمن وأبلغ ما يسأله فيها. فقال: إن الشهود قد شخصوا من كروة جيان يطلبون الحق في مظانه «١» ، فلما صاروا ببابك تصرفهم دون إنقاذ الحق لأهله! ولعل قائلا أن يقول: باع ما يملك بيع مقتسر على أمره. فلما رأى عزمه أمر بإخراج الجارية من قصره، وشهد الشهود على عينها، وقضى بها لصاحبها.

وكان سعيد بن بشير القاضي إذا خرج إلى المسجد أو جلس في مجلس الحكم، جلس في رداء معصفر «٢» وشعر مفرق إلى شحمة أذنيه؛ فإذا طلب ما عنده وجد أورع الناس وأفضلهم.

وكانت للحكم ألف فرس مربوطة بباب قصره على جانب النهر، عليها عشرة عرفاء، تحت يد كل عريف منها مائة فرس لا تندب ولا تبرح، فإذا بلغه عن ثائر في طرف من أطرافه عاجله قبل استحكام أمره، فلا يشعر حتى يحاط به.

وأتاه الخبر: أن جابر بن لبيد يحاصر جيان وهو يلعب بالصولجان في الجسر، فدعا بعريف من أولئك فأشار إليه أن يخرج من تحت يده إلى جابر بن لبيد، ثم فعل مثل ذلك بأصحابه من العرفاء، فلم يشعر ابن لبيد حتى تساقطوا عليه متساوين، فلما رأى ذلك عدوّه سقط في أيديهم وظنوا أن الدنيا قد حشرت لديهم، فولوا مدبرين.

وقال الحكم يوم الهيجاء بعد وقعة الرّبض:

رأيت صدوع الأرض بالسّيف راقعا ... وقدما رأيت الشّعب مذ كنت يافعا

فسائل ثغوري هل بها اليوم ثغرة ... أبادرها مستنضي السيف دارعا

وشافه على أرض القضاء جماجما ... كأقحاف شريان الهبيد لوامعا «٣»