فانتهى خبره إلى عبد الله بن جعفر، فلم يكن له هم غيره، فحج فبعث إلى مولى الجارية فاشتراها منه بأربعين ألف درهم، وأمر قيّمة جواريه أن تزيّنها وتحلّيها ففعلت؛ وبلغ الناس قدومه فدخلوا عليه، فقال: مالي لا أرى ابن أبي عمار زارنا؟
فأخبر الشيخ، فأتاه مسلّما. فلما أراد أن ينهض استجلسه، ثم قال: ما فعل حبّ فلانة؟ قال: في اللحم والدم والمخ والعصب. قال: أتعرفها لو رأيتها؟ قال: لو أدخلت الجنة لم أنكرها. فأمر بها عبد الله أن تخرج إليه، وقال له: إنما اشتريتها لك، وو الله ما دنوت منها، فشأنك بها مباركا لك فيها. فلما ولى قال: يا غلام، احمل معه مائة ألف درهم ينعم بها معها. قال: فبكى عبد الرحمن فرحا وقال: يأهل البيت، لقد خصّكم الله بشرف ما خصّ به أحدا قبلكم من صلب آدم، فتهنئكم هذه النعمة، وبورك لكم فيها.
ومن جوده أيضا أنه أعطى امرأة سألته مالا عظيما، فقيل له: إنها لا تعرفك وكان يرضيها اليسير. قال: إن كان يرضيها اليسير فإني لا أرضى إلا بالكثير، وإن كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي.
[جود سعيد بن العاص]
ومن جود سعيد بن العاص أنه مرض وهو بالشام، فعاده معاوية ومعه شر حبيل بن السّمط، ومسلم بن عقبة المرّي، ويزيد بن شجرة الرّهاوي. فلما نظر سعيد معاوية وثب عن صدر مجلسه إعظاما لمعاوية، فقال له معاوية: أقسمت عليك أبا عثمان ألا تتحرّك، فقد ضعفت بالعلة. فسقط؛ فتبادر معاوية: نحوه حتى حنا عليه، وأخذ بيده فأقعده على فراشه وقعد معه، وجعل يسائله عن علّته ومنامه وغذائه، ويصف له ما ينبغي أن يتوقّاه، وأطال القعود معه؛ فلما خرج التفت إلى شرحبيل بن السّمط، ويزيد ابن شجرة، فقال: هل رأيتما خللا في مال أبي عثمان؟ فقالا: ما رأينا شيئا ننكره.
فقال لمسلم بن عقبة: ما تقول؟ قال: رأيت. قال: وما ذاك؟ قال: رأيت على حشمه ومواليه ثيابا وسخة، ورأيت صحن داره غير مكنوس، ورأيت التجّار يخاصمون