قهرمانه. قال: صدقت، كل ذلك قد رأيته. فوجه إليه مع مسلم بثلاثمائة ألف، فسبق رسول يبشّره بها ويخبره بما كان. فغضب سعيد وقال للرسول: إن صاحبك ظن أنه أحسن فأساء، وتأوّل فأخطأ؛ فأما وسخ ثياب الحشم فمن كثرة حركته اتسخ ثوبه، وأما كنس الدار فليست أخلاقنا أخلاق من جعل داره مرآته وتزيّنه لبسه، ومعروفه عطره، ثم لا يبالي بمن مات هزلا من ذي لحمة أو حرمة. وأما منازعة التجار قهرماني فمن كثرة حوائجه وبيعه وشرائه؛ لم يجد بدّا من أن يكون ظالما أو مظلوما. وأما المال الذي أمر به أمير المؤمنين فوصلته كل ذي رحم قاطعة وهنأته كرامته المنعم بها عليه، وقد قبلناه وأمرنا لصاحبك منه بمائة ألف، ولشر حبيل بن السّمط بمثلها، وليزيد بن شجرة بمثلها، وفي سعة الله وبسط يد أمير المؤمنين ما عليه معوّلنا.
فركب مسلم بن عقبة إلى معاوية فأعلمه، فقال: صدق ابن عمي فيما قال، وأحطأت فيما انتهيت إليه، فاجعل نصيبك من المال لروح بن زنباع عقوبة لك، فإنه من جنى جناية عوقب بمثلها، كما أنه من فعل خيرا كوفيء عليه.
ومن جوده أيضا أن معاوية كان يداول بينه وبين مروان بن الحكم في ولاية المدينة، فكان مروان يقارضه «١» ، فلما دخل على معاوية قال له: كيف تركت أبا عبد الملك؟ يعني مروان. قال: تركته منفّذا لأمرك، مصلحا لعملك. قال معاوية: إنه كصاحب الخبزة: كفي إنضاجها فأكلها! قال: كلا يا أمير المؤمنين؛ إنه من قوم لا يأكلون إلا ما حصدوا، ولا يحصدون إلا ما زرعوا. قال: فما الذي باعد بينك وبينه؟ قال خفته على شرفي وخافني على مثله. قال: فأي شيء كان له عندك؟ قال:
أسوؤه حاضرا وأسرّه غائبا. قال: يا أبا عثمان، تركتنا في هذه الحروب. قال: حملت الثقل وكفيت الحزم. قال: فما أبطأ بك؟ قال غناؤك عني أبطأني عنك، وكنت قريبا لو دعوت لأجبناك، ولو أمرت لأطعناك. قال: ذلك ظنّنا بك. فأقبل معاوية على أهل الشام فقال يأهل الشام، هؤلاء قومي وهذا كلامهم. ثم قال: أخبرني عن مالك،