قال أبو عبيدة: لما تسافهت بكر بن وائل وغلبها سفهاؤها، وتقاطعت أرحامها، ارتأى رؤساؤهم، فقالوا: إن سفهاءنا قد غلبوا على أمرنا، فأكل القويّ الضعيف، ولا نستطيع تغيير ذلك، فنرى أن نملّك علينا ملكا نعطيه الشاء والبعير، فيأخذ للضعيف من القوي، ويردّ على المظلوم من الظالم، ولا يمكن أن يكون من بعض قبائلنا، فيأباه الآخرون، فتفسد ذات بيننا، ولكنا نأتي تبّعا فنملّكه علينا. فأتوه، فذكروا له أمرهم، فملّك عليهم الحارث بن عمرو آكل المرار الكندي، فقدم فنزل بطن عاقل «٢» .
ثم غزا بكر بن وائل، حتى انتزع عامة ما في أيدي ملوك الحيرة اللخميين، وملوك الشام الغسانيين، وردّهم إلى أقاصي أعمالهم. ثم طعن في نيطيه «٣» - أي مات، فدفن ببطن عاقل، واختلف ابناه شرحبيل وسلمة في الملك، فتواعدا الكلاب، فأقبل شرحبيل في ضبة والرّباب كلها، وبني يربوع، وبكر بن وائل، وأقبل سلمة في تغلب، والنمر، وبهراء ومن تبعه من بني مالك بن حنظلة، وعليهم سيفان بن مجاشع، وعلى تغلب السفاح، وإنما قيل له السفاح لانه سفح أوعية قومه وقال لهم: انذروا إلى ماء الكلاب. فسبقوا ونزلوا عليه، وإنما خرجت بكر بن وائل مع شرحبيل لعداوتها لبني تغلب، فالتقوا على الكلاب، واستحرّ القتل في بني يربوع، وشد أبو حنش على شرحبيل فقتله، وكان شرحبيل قتل حنشا، فأراد أبو حنش أن يأتي برأسه إلى مسلمة، فخافه، فبعثه مع عسيف «٤» له، فلما رآه مسلمة دمعت عيناه وقال هـ: أنت قتلته؟ قال لا، ولكنه قتله أبو حنش. فقال: إنما أدفع الثواب إلى قاتله! وهرب أبو حنش عنه، فقال سلمة: