قال: ورأيت أعرابيا ومعه بنيّ له صغير ممسك بفم قربة، وقد خاف أن تغلبه القربة؛ فصاح: يا أبت، أدرك فاها، غلبني فوها، لا طاقة لي بفيها!
[قولهم في الدين]
قال أعرابي: الدّين ذل بالنهار وهمّ بالليل.
وقال أعرابي في غرماء له يطلبونه بدين:
جاءوا إليّ غضابا يلغطون معا ... فقلت موعدكم دار ابن هبّار
وما أواعدهم إلّا لأدرأهم ... عني فيحرجني نقضي وإمراري «١»
وما جلبت إليهم غير راحلة ... تخدي برحلي وسيف جفنه عاري «٢»
إنّ القضاء سيأتي دونه زمن ... فاطو الصحيفة واحفظها من النار
الأصمعي قال: كان لرجل من يحصب على رجل من باهلة دين؛ فلما حل دينه هرب الأعرابي وأنشأ يقول:
إذا حلّ دين اليحصبيّ فقل له ... تزوّد بزاد واستعن بدليل
سيصبح فوقي أقتم الريش واقعا ... بقالي قلا أو من وراء دبيل «٣»
قال الأصمعي: اختصم أعرابيان إلى بعض الولاة في دين لأحدهما على صاحبه؛ فجعل المدّعى عليه يحلف بالطلاق والعتاق، فقال له المدعي: دعني من هذه الأيمان واحلف بما أقوله لك: لا ترك الله لك خفا يتبع خفا ولا ظلفا يتبع ظلفا؛ وحتّك من أهلك ومالك حتّ «٤» الورق من الشجر، إن لم يكن لي هذا الحق قبلك! فأعطاه حقه ولم يحلف له.
الهيثم بن عدي قال: يمين لا يحلف بها أعرابي أبدا: لا أورد الله لك صادرة، ولا أصدر لك واردة، ولا حططت رحلك، ولا خلعت نعلك.