ولم تحط به الصفات بإدراكها إياه بالحدود متناهيا، وما زال إذ هو الله الذي ليس كمثله شيء عن صفة المخلوقين متعاليا، انحسرت العيون عن أن تناله فيكون بالعيان موصوفا، وبالذات التي لا يعلمها إلا هو عند خلقه معروفا؛ وفات لعوّه عن الأشياء مواقع وهم المتوهمين؛ وليس له مثل فيكون بالخلق مشبها، وما زال عند أهل المعرفة به عن الأشباه والأنداد منزّها، وكيف يكون من لا يقدر قدره مقدرا في رويّات الأوهام، وقد ضل في إدراك كيفيته حواسّ الأنام: لأنه أجل من أن تحدّه ألباب البشر بنظير، فسبحانه وتعالى عن جهل المخلوقين وسبحانه وتعالى عن إفك الجاهلين «١» .
ألا وإن لله ملائكة صلّى الله عليه وسلم. لو أن ملكا هبط منهم إلى الأرض لما وسعته لعظم خلقه وكثرة أجنحته؛ ومن ملائكته من سد الآفاق بجناح من أجنحته دون سائر بدنه؛ ومن ملائكته من السموات إلى حجزته «٢» وسائر بدنه في جرم الهوام الأسفل، والأرضون إلى ركبته ومن ملائكته من لو اجتمعت الإنس والجنّ على أن يصفوه ما وصفوه، لبعد ما بين مفاصله، ولحسن تركيب صورته؛ وكيف يوصف من سبعمائة عام مقدار ما بين منكبيه إلى شحمة أذنيه؟ ومن ملائكته من لو ألقيت السّفن في دموع عينيه لجرت دهر الداهرين؛ فأين أين بأحدكم؟ وأين أين أن يدرك ما لا يدرك؟
[خطبة عبد الله بن الزبير لما بلغه قتل المصعب]
صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم سكت؛ فجعل لونه يحمرّ مرة ويصفر مرة؛ فقال رجل من قريش لرجل إلى جانبه: ماله لا يتكلم؟ فوالله إنه للبيب الخطباء! قال:
لعله يريد أن يذكر مقتل سيد العرب، فيشتد ذلك عليه، وغير ملوم! ثم تكلم فقال:
الحمد لله، له الخلق والأمر والدنيا والآخرة؛ يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك