وسعيد بن جبير. فأما الشعبي ومطرّف فذهبا إلى التعريض والكناية ولم يصرّحا بالكفر، فقبل كلامهما وعفا عنهما؛ وأما سعيد بن جبير فأبى ذلك فقتل.
وكان مما عرّض به الشعبي فقال: أصلح الله الأمير، نبا المنزل، وأحزن بنا الجناب، واستحلسنا «١» الخوف، واكتحلنا السهر، وخبطتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء. قال: صدق. والله ما برّوا بخروجهم علينا ولا قووا، خليا عنه. ثم قدم إليه مطرّف بن عبد الله، فقال له الحجاج: أتقرّ على نفسك بالكفر؟
قال: إنّ من شق العصا، وسفك الدماء، ونكث البيعة، وأخاف المسلمين، لجدير بالكفر. قال: خلّيا عنه. ثم قدّم إليه سعيد بن جبير؛ فقال له: أتقرّ على نفسك بالكفر؟ قال: ما كفرت بالله مذ آمنت به. قال: اضربوا عنقه.
ولما ولي الواثق وأقعد للناس أحمد بن أبي داود للمحنة في القرآن ودعا إليه الفقهاء، أتي فيهم بالحارث بن مسكين، فقيل له: اشهد أن القرآن مخلوق! قال: أشهد أن التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، هذه الأربعة مخلوقة. ومدّ أصابعه الأربع؛ فعرّض بها وكنّى عن خلق القرآن وخلّص مهجته من القتل. وعجز أحمد بن نصر فقيه بغداد عن الكناية فأباها، فقتل وصلب.
ودخل بعض النّساك على بعض الخلفاء فدعاه إلى طعامه، فقال: الصائم لا يأكل يا أمير المؤمنين، وما أزكّي نفسي، بل الله يزكّي من يشاء. وإنما كره طعامه.
[ابن عرباض والخوارج:]
الأصمعي عن عيسى بن عمر قال: بينما ابن عرباض يمشي مقدّما بطنه، إذ استقبلته الخوارج يحزّون الناس بسيوفهم؛ فقال لهم: هل خرج إليكم في اليهود شيء؟
قالوا: لا. قال: فامضوا راشدين. فمضوا وتركوه.
ولقي شيطان الطاق رجلا من الخوارج وبيده سيف؛ فقال له الخارجي: والله