أوصيك بتقوى الله؛ فإنّ لله عملا بالليل لا يقبله بالنهار، وعملا بالنهار لا يقبله بالليل؛ وإنه لا يقبل نافلة «١» حتى تؤدّى الفرائض. وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتّباعهم الحق وثقله عليهم؛ وحقّ لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلا. وإنما خفت موازين من خفّت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا وخفّته عليهم؛ وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يكون خفيفا. وإن الله ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم، وتجاوز عن سيئاتهم، فإذا سمعت بهم قلت: إني أخاف ألّا أكون من هؤلاء. وذكر أهل النار بأقبح أعمالهم، وأمسك عن حسناتهم؛ فإذا سمعت بهم قلت: أنا خير من هؤلاء وذكر آية الرحمة مع آية العذاب:
ليكون العبد راغبا راهبا، لا يتمنى على الله غير الحق. فإذا حفظت وصيتي فلا يكونن غائب أحبّ إليك من الموت، وهو آتيك؛ وإن ضيعت وصيتي فلا يكونن غائب أكره إليك من الموت، ولن تعجزه.
[الحسن وابن الأهتم:]
ودخل الحسن بن أبي الحسن على عبد الله بن الأهتم يعوده في مرضه؛ فرآه يصوّب بصره في صندوق في بيته ويصعّده، ثم قال: أبا سعيد، ما تقول في مائة ألف في هذا الصندوق لم أؤدّ منها زكاة ولم أصل منها رحما؟ قال: ثكلتك أمك! ولمن كنت تجمعها؟ قال: لروعة الزمان؛ وجفوة السلطان؛ ومكاثرة العشيرة. قال: ثم مات، فشهده الحسن. فلما فرغ من دفنه قال: انظروا إلى هذا المسكين! أتاه شيطانه فحذّره روعة زمانه، وجفوة سلطانه، ومكاثرة عشيرته، عما رزقه الله إياه وغمره فيه؛ انظروا كيف خرج منها مسلوبا محزونا، ثم التفت إلى الوارث فقال: أيها الوارث، لا تخدعنّ كما خدع صويحبك بالأمس، أتاك هذا المال حلالا فلا يكوننّ عليك وبالا. أتاك عفوا صفوا، ممن كان له جموعا منوعا؛ من باطل جمعه، ومن حق منعه؛ قطع فيه لجج «٢» البحار، ومفاوز القفار، لم تكدح فيه بيمين، ولم يعرق لك فيه جبين. إن يوم