: الجاحظ قال: دعا أبو عبيد الله الواسطي إلى صنيع، فدعاني، فدعوت أبا الفلوسكيّ، فلما كان من الغد صبح الفلوسكي الجاحظ فقال له: أما تذهب بنا هناك يا أبا عثمان؟ قال: نعم. قال فذهبنا حتى أتينا دار صاحب الصنيع، ولم يكن علينا كسوة رائعة ولا تحتنا دواب فتدخل تجاهنا، فوجدنا البواب ذا غلظ وجفاء، فمنعنا، فانحدرنا في جانب الإيوان ننتظر احد يعلم أبا عبد الله الواسطي بنا؛ فلما أخبر خرج إلينا يتلقانا، فتقدمني الفلوسكي وتقدمه حتى أتى صدر المجلس؛ فقعد فيه؛ ثم قال لي: ههنا عندنا يا أبا عثمان! فلما خلونا ثلاثتنا قلت للفلوسكي: كيف تسمي العرب من أمالت إلي أنفسها؟ قال الفلوسكي: تسميه ضيفا. فقال له الجاحظ: وكيف تسمي من أماله الضيف؟ قال: تسميه ضيفنا. قال الجاحظ: وكيف تسمي من أماله الضيفن؟
قال: ما لمثل هذا عند العرب تسمية. قال الجاحظ: فقلت: قد رضيت أن تكون في منزلة من التطفيل لم تجد لها العرب اسما، ثم تتحكم تحكّم صاحب البيت.
[باب من أخبار المحارفين]
منهم أبو الشمقمق الشاعر، وكان أديبا ظريفا ومحارفا «١» ، وكان صعلوكا متبرما بالناس، وقد لزم بيته في أطمار مسحوقة، وكان إذا استفتح عليه أحد بابه، خرج فينظر من فروج الباب، فإن أعجبه الواقف فتح له وإلا سكت عنه؛ فأقبل إليه يوما بعض إخوانه الملطفين له، فدخل عليه فلما رأى سوء حاله قال له: أبشر أبا الشمقمق، فإنا روينا في بعض الحديث:«إن العارين في الدنيا هم الكاسون يوم القيامة» . فقال: إن صح والله هذا الحديث كنت أنا في ذلك اليوم بزّازا «٢» ! ثم أنشأ يقول: