للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بمعرفتكم بها وبإخبار الله عنها، واعلموا أن قوما من عباد الله أدركتهم عصمة الله فحذروا مصارعها وجانبوا خدائعها، وآثروا طاعة الله فيها وأدركوا الجنة بما يتركون منها.

[خطبة عبد الله بن الزبير حين قدم بفتح أفريقية]

قدم عبد الله بن الزبير على عثمان بن عفان بفتح إفريقية، فأخبره مشافهة وقص عليه كيف كانت الوقعة، فأعجب عثمان ما سمع منه، فقال له: يا بنيّ، أتقوم بمثل هذا الكلام على الناس؟ فقال: يا أمير المؤمنين، أنا أهيب لك مني لهم! فقام عثمان في الناس خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إن الله قد فتح عليكم إفريقية، وهذا عبد الله بن الزبير يخبركم خبرها إن شاء الله، وكان عبد الله بن الزبير إلى جانب المنبر، فقام خطيبا، وكان أول من خطب إلى جانب المنبر، فقال:

الحمد لله الذي ألفّ بين قلوبنا وجعلنا متحابين بعد البغضة، الذي لا تجحد نعماؤه، ولا يزول ملكه؛ له الحمد كما حمد نفسه، وكما هو أهله، انتخب محمدا صلّى الله عليه وسلم فاختاره بعلمه، وائتمنه على وحيه، واختار له من الناس أعوانا قذف في قلوبهم تصديقه ومحبّته، فآمنوا به وعزّزوه ووقّروه وجاهدوا في الله حق جهاده، فاستشهد في الله منهم من استشهد على المنهاج الواضح، والبيع الرابح، وبقي منهم من بقي، لا تأخذهم في الله لومة لائم.

أيها الناس، رحمكم الله! إنا خرجنا للوجه الذي علمتم، فكنا مع وال حافظ، حفظ وصية أمير المؤمنين، كان يسير بنا الأبردين «١» ، ويخفض «٢» بنا في الظهائر، ويتخذ الليل جملا، يعجل الرّحلة من المنزل الجدب، ويطيل اللبث في المنزل الخصب، فلم نزل على أحسن حالة نعرفها من ربنا، حتى انتهينا إلى إفريقية، فنزلنا منها حيث يسمعون صهيل الخيل، ورغاء الإبل، وقعقعة السلاح فأقمنا أياما نجمّ كراعنا «٣» !