وعهد إليّ ما عهد؟ قال: أنشدك الله، ألم يكن آخر ما قال لك أن أخذ بيدك فوضعها في يدي وقال: أطع أباك؟ قال: اللهم بلى. قال: فإني أعزم عليك فلتخرج فتقاتل، قال: فخرج فقاتل متقلّدا بسيفين.
[القول في القدر]
[لمحمد بن المنكدر:]
أتى قوم من أهل القدر محمد بن المنكدر، فقالوا له: أنت الذي تقول إن الله يعذّب الخلق على ما قدّر عليهم؟ فصرف وجهه عنهم ولم يجبهم، فقالوا له: أصلحك الله! إن كنت لا تجيبنا فلا تخلنا من بركة دعائك؛ فقال: اللهم لا تردنا بعقوبتك، ولا تمكر بنا في حيلتك، ولا تؤاخذنا بتقصيرنا عن رضاك، قليل أعمالنا تقبل، وعظيم خطايانا تغفر، أنت الله الذ لم يكن شيء قبلك، ولا يكون شيء بعدك، ولي الأشياء، ترفع بالهدى من تشاء، لا من أحسن استغنى عن عونك، ولا من أساء غلبك، ولا استبدّ شيء عن حكومتك وقدرتك، لا ملجأ إلا إليك؛ فكيف لنا بالمغفرة وليست إلا في يديك؟ وكيف لنا بالرحمة وليست إلا عندك؟ حفيظ لا ينسى، وقديم لا يبلى، حيّ لا يموت؛ بك عرفناك، وبك اهتدينا إليك، ولولا أنت لم ندر ما أنت، سبحانك وتعاليت.
فقال القوم: قد والله أخبر وما قصّر.
وقال: ذكر القدر في مجلس الحسن البصري، فقال: إنّ الله خلق الخلق للابتلاء، لم يطيعوه بإكراه، ولم يعصوه بغلبة، لم يهملهم من الملك، وهو القادر على ما أقدرهم عليه، والمالك لما ملّكهم إياه، فإن يأتمر العباد بطاعة الله لم يكن مثبّطا لهم «١» . بل يزيدهم هدى إلى هداهم، وتقوى إلى تقواهم؛ وإن يأتمروا بمعصية الله كان الله قادرا على صرفهم إن شاء، وإن خلّى بينهم وبين المعصية فمن بعد إعذار وإنذار.