اصبر يزيد فقد فارقت ذا مقة ... واشكر حباء الذي بالملك حاباكا
لارزء أعظم في الأقوام قد علموا ... ممّا رزئت ولا عقبى كعقباكا
أصبحت راعي أهل الدين كلّهم ... فأنت ترعاهم والله يرعاكا
وفي معاوية الباقي لنا خلف ... أمّا نعيت فلا يسمع بمنعاكا
قال فانفتح الخطباء بالكلام.
[وخطبة أيضا لمعاوية]
ولما مرض معاوية مرض وفاته قال لمولى له: من بالباب؟ قال: نفر من قريش يتباشرون بموتك! قال: ويحك! لم؟ فوالله ما لهم بعدي إلا الذي يسوءهم وأذن للناس فدخلوا، فحمد الله وأثنى عليه وأوجز، ثم قال:
أيها الناس، إنا قد أصبحنا في دهر عنود، وزمن شديد، يعد فيه المحسن مسيئا، ويزداد الظالم فيه عتوا، لا ننتفع بما علمنا، ولا نسأل عما جهلنا، ولا نتخوّف قارعة حتى تحل بنا، فالناس على أربعة أصناف: منهم من لا يمنعه من الفساد في الأرض إلا مهانة نفسه، وكلال حده، ونضيض وفره؛ ومنهم المصلت لسيفه، المجلب برجله، المعلن بشرّه؛ قد أشرط «١» نفسه، وأوبق دينه «٢» : لحطام ينتهزه، أو مقنب «٣» يقوده، أو منبر يفرعه «٤» ؛ ولبئس المتجر أن تراهما لنفسك ثمنا، ومما لك عند الله عوضا- ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة، ولا يطلب الآخرة بعمل الدنيا؛ قد طامن من شخصه، وقارب من خطوه، وشمر عن ثوبه، وزخرف نفسه للأمانة، واتخذ ستر الله ذريعة إلى المعصية؛ ومنهم من أقعده عن طلب الملك ضئولة نفسه، وانقطاع سببه، فقصرت به الحال عن أمله؛ فتحلى باسم القناعة، وتزيّا بلباس الزهادة؛ وليس من ذلك في مراح ولا مغدى؛ وبقي رجال غض أبصارهم ذكر المرجع، وأراق دموعهم