الصلح والذمة، فلا يدخلها من أصحابك إلا من تثق بدينه. ولا يرزأ أحدا من أهلها شيئا: فإن لهم حرمة وذمة ابتليتم بالوفاء بها كما ابتلوا بالصبر عليها، فما صبروا لكم فتولّوهم خيرا، ولا تستبصروا على أهل الحرب بظلم أهل الصلح. وإذا وطئت أدنى أرض العدو فأذك العيون بينك وبينهم، ولا يخف عليك أمرهم وليكن عندك من العرب أو من أهل الأرض من تطمئن إلى نصحه وصدقه، فإنّ الكذوب لا ينفعك خبره وإن صدقك في بعضه، والغاشّ عين عليك وليس عينا لك. وليكن منك عند دنوّك من أرض العدو أن تكثر الطلائع وتبث السرايا بينك وبينهم. فتقطع السرايا أمدادهم ومرافقهم، وتتبع الطلائع عوراتهم. وانتق للطلائع أهل الرأي والبأس من أصحابك، وتخيّر لهم سوابق الخيل، فإن لقوا عدوّا كان أول ما تلقاهم القوة من أصحابك، وتخيّر لهم سوابق الخيل؛ فإن لقوا عدوّ كان أول ما تلقاهم القوة من رأيك. واجعل أمر السرايا إلى أهل الجهاد والصبر على الجلاد، ولا تخص بها أحدا بهوى، فيضيع من رأيك وأمرك أكثر مما حابيت «١» به أهل خاصتك. ولا تبعثن طليعة ولا سرية في وجه تتخوّف فيه غلبة أو ضيعة ونكاية «٢» ؛ فإذا عاينت العدو فاضمم إليك أقاصيك وطلائعك وسراياك، واجمع إليك مكيدتك وقوّتك، ثم لا تعاجلهم المناجزة، ما لم يستكرهك قتال، حتى تبصر عورة عدوك ومقاتله، وتعرف الأرض كلها كمعرفة أهلها، فتصنع بعدوّك كصنعه بك، ثم أذك أحراسك على عسكرك، وتحفّظ من البيات «٣» جهدك. ولا تؤت بأسير له عهد إلا ضربت عنقه، لترهب بذلك عدوّ الله وعدوك. والله ولي أمرك ومن معك، ووليّ النصر لكم على عدوّكم، والله المستعان.
[عبد الملك يوصي أميره إلى أرض الروم]
: وأوصى عبد الملك بن مروان أميرا سيره إلى أرض الروم فقال: أنت تاجر الله لعباده، فكن كالمضارب الكيّس «٤» الذي إن وجد ربحا تجر وإلا تحفّظ برأس المال.