: ولكن المضروب به المثل حاتم وحده، وهو القائل لغلامه يسار، وكان إذا اشتدّ البرد وكلب الشتاء أمر غلامه فأوقد نارا في يفاع من الأرض لينظر إليها من أضلّ الطريق ليلا فيصمد نحوه، فقال في ذلك:
وقالوا: لم يكن حاتم ممسكا شيئا ما عدا فرسه وسلاحه، فإنه كان لا يجود بهما.
ومرّ حاتم في سفره على عنزة وفيهم أسير، فاستغاث بحاتم ولم يحضره فكاكه، فاشتراه من العنزيّين وأطلقه وأقام مكانه في القيد حتى أدّى فداءه.
وقالت نوار امرأة حاتم: أصابتنا سنة اقشعرّت لها الأرض واغبرّ أفق السماء، وراحت الإبل حدبا حدابير»
، وضنت المراضع على أولادها فما تبضّ «٣» بقطرة، وحلقت «٤» السنة المال وأيقنّا بالهلاك. فو الله إنا لفي ليلة صنّبر «٥» بعيدة ما بين الطرفين، إذ تضاغى صبيتنا جوعا: عبد الله وعديّ وسفّانة: فقام حاتم إلى الصّبيّين وقمت أنا إلى الصّبية، فو الله ما سكتوا إلا بعد هدأة من الليل، وأقبل يعلّلني بالحديث. فعرفت ما يريد فتناومت، فلما تهوّرت النجوم إذا شيء قد رفع كسر البيت ثم عاد، فقال: من هذا؟ قالت: جارتك فلانة، أتيتك من عند صبية يتعاوون عواء الذئاب، فما وجدت معوّلا إلا عليك يا أبا عديّ، فقال: أعجليهم فقد أشبعك الله وإياهم: فأقبلت المرأة تحمل اثنين ويمشي بجانبها أربعة؛ كأنها نعامة حولها رئالها؛ فقام إلى فرسه فوجأ لبته بمدية فخرّ، ثم كشطه عن جلده، ودفع المدية إلى المرأة فقال لها: شأنك؛ فاجتمعنا على اللحم نشوي ونأكل، ثم جعل يمشي في الحى