للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يأتيهم بيتا بيتا فيقول: هبّوا أيها القوم، عليكم بالنار. فاجتمعوا والتفع في ثوبه ناحية ينظر إلينا، فلا والله إن ذاق منه مزعة وإنه لأحوج إليه منّا؛ فأصبحنا وما على الأرض من الفرس إلّا عظم وحافر. فأنشأ حاتم يقول:

مهلا نوار أقلّي الّلوم والعذلا ... ولا تقولي لشيء فات ما فعلا

ولا تقولي لمال كنت مهلكه ... مهلا وإن كنت أعطي الأنس والخبلا «١»

يرى البخيل سبيل المال واحدة ... إنّ الجواد يرى في ماله سبلا

ورئي حاتم يوما يضرب ولده لما رآه يضرب كلبة كانت تدلّ عليه أضيافه وهو يقول:

أقول لابني وقد سطت يديه ... بكلبة لا يزال يجلدها «٢»

أوصيك خيرا بها فإن لها ... عندي يدا لا أزال أحمدها

تدل ضيفي عليّ في غلس اللي ... ل إذا النار نام موقدها

ذكرت طيء عند عديّ بن حاتم أن رجلا يعرف بأبي الخيبريّ مر بقبر حاتم فنزل به وجعل ينادي: أبا عدي: أقر أضيافك. قال: فيقال له: مهلا ما تكلم من رمّة بالية؟ فقال: إن طيئا يزعمون أنه لم ينزل به أحد إلا قراه، كالمستهزيء فلما كان في السحر وثب أبو خيبري يصيح: واراحلتاه: فقال له أصحابه: ما شأنك؟

قال: خرج والله حاتم بالسيف حتى عقر ناقتي وأنا أنظر إليها. فتأملوا راحلته فإذا هي لا تنبعث. فقالوا: قد والله أقراك. فنحروها وظلوا يأكلون من لحمها، ثم أردفوه وانطلقوا، فبينما هم في مسيرهم إذ طلع عليهم عديّ ابن حاتم ومعه جمل قد قرنه ببعيره، فقال إن حاتما جاء في النوم فذكر لي قولك وأنه أقراك وأصحابك راحلتك، وقال أبياتا ردّدها عليّ حتى حفظتها، وهي:

أبا الخيبريّ وأنت امرؤ ... حسود العشيرة شتّامها

فماذا أردت إلى رمّة ... بداوية صخب هامها «٣»